إذا تضاربت لغة الدم ولغة البيانات السياسية ، فلا تصدقوا إلا لغة الدم . البيانات الرسمية تحمل وجهات نظر حيال الوقائع التي تجري على الأرض . لكنها ليست بالضرورة هي تلك الوقائع . هذا الكلام ينطبق على البيانات الرسمية التي تصدرها الحكومات أو المعارضة سواء بسواء . كل هذه البيانات تتوجه إلى العقل الذي كثيرا ما يكون محكوما بقناعات ومواقف مسبقة لا تزيدها البيانات الرسمية إلا رسوخا . وجهات النظر تحتمل الصواب والخطأ ، والصدق والكذب ، والشفافية والمراوغة . وبما أن البيانات الرسمية عبارة عن وجهات نظر ، فإنها تحتمل هي الأخرى نفس الاحتمالات السابق ذكرها . بالمقابل فإن لغة الدم لا تعرف الكذب ، ولا تنطبق عليها معايير الصواب والخطأ أو الشفافية والمراوغة . لغة الدم فوق كل المقاييس ، لأنها عندما تتحدث تتحول إلى المقياس الوحيد الذي يمكن إحالة كل الوقائع ووجهات النظر إليه . لغة الدم لا تحمل دلالات مضطربة أو متناقضة ، فالدم وإن كان له لغة خاصة ، إلا أن الدم ليس كلاما . الكلام مهما كان فصيحا هو حمّال أوجه .. ليس هناك كلام لا يحتمل قراءات متعددة وتفسيرات مختلفة .. أما الدم فهو لا يتحدث سوى لغة واحدة هي : لغة الحق . من لا يصدق لغة الدم ، لا يميل بطبيعته إلى الحق بل إلى الباطل . لغة الدم هي لغة الحق والحقيقة ، وكل من يكذب هذه اللغة هو شخص مريض بالكراهية والجهل والتعصب وعمى البصيرة وتشوه الفطرة التي فطر الله الناس عليها قبل أن تفسدهم مخاتلات اللغة وضلالات الحرف وخداع الأبجدية . اللغة منجز بشري استخدم منذ نشأته كأداة لممارسة الكذب . أما لغة الدم فهي صنيعة الله سبحانه وتعالى ، وهي الطريق الوحيدة للتعبير عندما يستفحل الظلم . لغة الدم في ليبيا كذّبت ولا تزال تكذّب كل البيانات الرسمية التي أصدرها نظام القذافي والتي تحدث من خلالها عن حبوب الهلوسة والعمالة للخارج ..! لكن هل هناك من لا يزال يصدق لغة البيانات والخطابات التي يلقيها ذلك النظام ..؟ أعتقد أن ذلك يحدث وسيحدث في ليبيا وغيرها ، طالما بقي على ظهر الأرض من يناصر الباطل حتى وإن لم يكن يشعر . عندما يتحدث الدم تتهاوى بلاغة البيانات الرسمية.