تعقيبًا على قضية «الخصوصية السعودية» الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد، اطلعت على موضوع “الخصوصية السعودية... من أحدثها؟” في ملحق الرسالة الصادر يوم الجمعة 8 ربيع الأول 1432ه وقد عادت بي الذاكرة إلى شهر ذي القعدة لعام 1424ه حيث طُرق هذا الموضوع في ملحق الأربعاء التابع لصحيفة المدينة بتاريخ 15 ذو القعدة 1424ه وكانت هناك آراء متباينة حول هذا الموضوع. أرسلتُ حينها ردًا بعنوان “إيجابية البتول وسلبية نجيب” نُشر بتاريخ 20 ذوالحجة 1424ه ركّزتُ فيه على التباين الواضح بين قول الكاتبة البتول الهاشمية وقول الكاتب نجيب يماني. وهذا اقتباس مما كتبته الأخت البتول الهاشمية: “نعم.. نحن مجتمع نملك خصوصية... وما أحلاها من خصوصية بل هي نعمة وكرم” وأشارت إلى أن: “العيب ليس بالخصوصية ولكن بتفسير هذا المعنى العظيم” وبالمقابل نجد الأخ نجيب يقول عن الخصوصية أنها: “وهم من تخيلنا.. لم نجدها على الأرض فاخترعناها”. ومما قال: “إن الخصوصية انما هي من فكر المتشددين الذين لا يستطيعون هضم أي جديد ولا يستطيعون هضم أي قادم فجعلوا هذه الخصوصية خط دفاع أول للدفاع عن معتقداتهم الباطلة”. أما الآن فعودًا لما ورد في ملحق "الرسالة”حيث كان هناك تباين في الآراء، كان من أقربها للحق فيما - بدا لي - كلام الأستاذ منصور النقيدان الذي قال: “كل مجتمع له خصوصية تجعله لونًا مختلفًا عن غيره ولكنها لا تدفعه للانكفاء”. بعض الإخوة الذين أدلوا بآرائهم يقتربون من هذا الطرح ومن طرح الكاتبة البتول، بينما البعض الآخر أخذ الجانب الذي يلتقي بشكل أو بآخر مع طرح الأستاذ نجيب. وفي ما يلي تعليق عام حول الموضوع، آمل أن يكون موافقًا للحق والصواب. لماذا يصر البعض على نفي خصوصية بلاد الحرمين التي ترعاها حكومة المملكة العربية السعودية!؟ إن خصوصيتنا ليست للكسل والخمول، بل هي محفّز للجد والعمل. يبدو أن المصرّين على إنكار الخصوصية يريدون ألا تكون لنا ميزة على غيرنا حتى تتساوى أنظمتنا وأنظمتهم وأن ننفتح بنفس المستوى الذي انفتح به ذلك الغير دون مراعاة للحكم الشرعي أو لمكانة البقاع الطاهرة في نفوس المسلمين ورمزية بلاد الحرمين عندهم!. وفي ما يلي استعراض مختصر لأهم الخصوصيات التي تحضرني: أولًا - خصوصيات قدرية: 1 – فيها التقت الأرض بالسماء في بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد الناس أجمعين 2 – فيها تنزّل القرآن على حبيب رب العالمين 3 – فيها الكعبة المشرفة التي يتجه إليها المسلمون جميعًا في اليوم خمس مرات 4 – فيها الحرمان الشريفان 5 – مكة حرام إلى يوم القيامة. انظر هذا الحديث العظيم في شأنها: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: “هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة 6 – إليها تُشد الرحال قربة لله تعالى ولا تشد إلى غيرها سوى المسجد الأقصى 7 – فيها مشاعر الحج التي يقصدها الملايين سنويًا من كافة أرجاء المعمورة 8 – فيها ضمان الرزق، والأمان من الخوف (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) 9 – تضاعف فيها الحسنات؛ فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وألف صلاة في المسجد النبوي 10 – لا يُعضد شوكه، ولا ينفّر صيده ولا تُلتقط لقطته إلا مَن عرّفها ولا يُختلى خلاه إلا الإذخر كما ورد عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام. 11 – من يهم فيها بظلم يصدق فيه قول الحق جل في علاه: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) 12 – أثبت العلم الحديث أن الكعبة المشرفة تقع في مركز الكرة الأرضية 13 – فيها ماء زمزم المبارك. ورد في حديث جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: “ماء زمزم لما شرب له”. ثانيًا – خصوصيات مكتسبة: 1 – تحكيم شرع الله في هذه البلاد وجعل الكتاب والسنة مصدرا التشريع 2 – تحقيق التوحيد والقضاء على معالم الشرك التي كانت منتشرة قبل قيام الدولة السعودية. 3 – شعار هذه البلاد كلمة التوحيد ومع أن الأمر الأول والثاني مكتسبان إلا أننا مأمورون بهما شرعًا ولا يجوز العدول عنهما إلا أن الدول الإسلامية – في جملتها – لا تطبّق ذلك بينما اختارت حكومتنا أمر الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. فهل يُقال بعد هذا بعدم وجود خصوصية لبلاد الحرمين!!؟ لقد قصّر الإعلام كثيرًا في إبراز جوانب هذه الخصوصية وما تُلزمنا به من جد واجتهاد، فمسؤوليتنا أعظم من غيرنا. ألا ترى أن الشريف في قومه هو الذي يُقصد ويُشار إليه بالبنان، ولا يليق به أن ينزوي أو يتوارى عن حاجاتهم!؟. هذا في حق بشرٍ ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، وهو ينتظر أن يجري عليه قدر الله كما جرى ويجري على أمثاله. فهل من اللائق ألا نعطي بلاد الحرمين حقّها من الخصوصية التي تميزت بها دون كافة البلاد!؟ بل هل من اللائق أن نقول بعدم وجود الخصوصية أصلًا كما هو وارد في حديث البعض!؟ إن الذي يحز في النفس كثيرًا هو ما نجده من بعض أبناء هذه البلاد المباركة من الفوضوية في جوانب متعددة من أمورهم الدينية والدنيوية. هناك التكاسل عن الصلوات المكتوبة، والتسكّع في الطرقات وعلى الأرصفة، وعدم الجدية في العمل، وعدم الحرص على نظافة الشوارع والحدائق والطرق العامة. هذه لا شك سلوكيات غير حضارية تسيء إلى سمعتنا، ولا تناسب قدسية بلاد الحرمين، ولا يمكن أن يرضاها عاقل. أعتقد أن تغييب مبدأ المساءلة والمحاسبة وغياب القدوات الحسنة، واستبدال ذلك بالمحسوبيات والمجاملات الزائفة قد أورثتنا قدرًا كبيرًا من الاتكالية وعدم احترام النظام، واللجوء إلى طرق ملتوية للوصول إلى ما نريد بغض النظر عن شرعية أو عدم شرعية استحقاقنا لذلك الأمر. هذه الأمور شوّهت صورتنا أمام الآخرين وجعلت البعض يتنكّر لهذه الخصوصية. هل هذا مسوّغ للقول بعدم وجود خصوصية لبلاد الحرمين!؟. لا وألف لا!!. إن العقل والمنطق يحتمان علينا وضع حدٍ للممارسات الخاطئة، وأن نؤصل لبيئة صالحة نُصلح فيها ما اختل من أوضاعنا، تكون الأولوية فيها للأكفأ من غير واسطة أو سلوك طرق ملتوية. يجب أن نفعّل مبدأ المحاسبة دون تمييز. يجب أن نضع أهدافًا عالية ونرسم خططًا مرحلية نستطيع من خلاها تجاوز مرحلة الضعف والتخلف التي نعيشها، ونحقق الأهداف التي نصبو إليها، ونفاخر -دون مكابرة- بتلك الخصوصية التي هي بمثابة تشريف وتكليف لنا ووسام شرف منّ الله به علينا. والله ولي التوفيق.