مسألة وهموم المتقاعدين في مجتمعنا أصبحت تتفاقم كل عام عن السابق لأن المقارنة بين ثبات مرتبات المتقاعدين والزيادة في أسعار الخدمات بأنواعها وفي قمتها توفير السكن والتأمين الصحي لهم ولمن يعولونهم، مجحفة جدا، والكارثة الكبرى إذا ناقشنا مسألة مرتبات من توفي منهم وكيف أن بعض الخدمات لأسرهم تختفي وخصوصا نصيب كل ابن أو ابنة إذا ما تزوجت الابنة أو توظفت وكذلك إذا ما توظف الابن حتى لو كان بمرتب متدنٍ وفق سقف الرواتب المتاح الآن للسعوديين! في جميع دول العالم العربي بدون استثناء لا يقتطع من مرتب المتوفى نصيب أي فرد من الأسرة بل يستمر المرتب كما هو ويوزع على أفراد الأسرة حتى لو لم تكن سوى الأرملة وقد وضح فضيلة الشيخ محمد الحركان يرحمه الله عندما كان وزيرا للعدل: (انه لا يجوز للحكومة أن ترث معاش المتقاعد المتوفى ومشاركة ورثته الشرعيين ولا يسقط حق الابن بعد عمله والابنة بعد زواجها من معاش مورثهم) فالمال المنقول ينتقل لورثته أصحاب المال الأصليين الموظفين والمتقاعدين أموالهم تستثمر في الوعاء الاستثماري). وهذا موضوع على درجة كبيرة من الأهمية ولا بد من إعادة النظر في آلية احتساب مرتبات التقاعد للمتوفين فقد تضرر الورثة من هذا الاجتزاء القسري، أما يكفيهم الانتظار في كل عام لشهور كي يتم إحضار وثائق من عدة جهات لإثبات أن الورثة على قيد الحياة أو أنهم يستحقون المرتب؟ إحدي الأخوات من دولة عربية تحسب أنها دولة فقيرة تعجبت من هذا التنظيم القسري لاحتساب مرتبات الورثة من مرتب المتوفى قائلة: (نحن اقل دخلا من دولتكم ولا يتم اقتطاع أي جزء من مرتب المتوفى في أي حالة زواج أو وفاة لأحد الأفراد المستحقين له، فكيف بكم وانتم تطبقون الشريعة في نظام الحكم لديكم وبالتالي يتبع ذلك أي تنظيمات أخرى لأحوالكم؟). ذكر د. سليمان العريني في مقالة له عن المتقاعدين وحقوقهم قبل عام تقريبا (إنه يتم سنويا تحويل أكثر من 40 مليار ريال من رواتب موظفي وموظفات الدولة، للقطاعين المدني والعسكري، إلى المؤسسة العامة للتقاعد لتنميتها واستثمارها لمصلحة ملاكها والمستفيدين منها في المستقبل، وهم الموظفون والموظفات المتقاعدون وذووهم. ويتوقع أن تبلغ المبالغ المحولة من رواتب الموظفين عن ال 20 سنة الماضية أكثر من ألف مليار ريال، دون احتساب عوائد الاستثمار، التي يمكن أن تزيدها إلى أكثر من خمسة آلاف مليار ريال، على أقل تقدير. وفي ظل هذا الحجم من الأموال والاستثمارات ودرجة التأثير المتوقعة في حياة الملايين من الموظفين والموظفات)، وتساءل عن توجيه وكيفية إدارة هذه الاستثمارات، ومدى مشاركة المتقاعدين في إدارة استثماراتهم، ودرجة وحجم وشفافية المعلومات المتاحة للمستفيدين والملاك عن استثماراتهم، وما دور الجهات المختصة والرقابية في الدولة مثل ديوان الرقابة ومؤسسة النقد في عملية استثمار أموال المؤسسة أو مراقبة وتقييم استثمارها؟ وهل تعمل المؤسسة على أساس أنها موظفة لخدمة الملاك (الموظفين والمتعاقدين)؟ وأكد الفكرة نفسها التي أنا شخصيا كتبت عنها عدة مرات منذ سنوات وخصوصا بعد احدى مشاركاتنا في مناقشة هذا الموضوع في احدى لجان مجلس الشورى قبل أعوام، دائما يكتب عنها الأفاضل من الكتاب والكاتبات وأيضا تمت مناقشتها في برنامج تلفازي عن المتقاعدين وحقوقهم وعدم إيفائهم حقوقهم من المجتمع الذي قضوا زهرة حياتهم في خدمته وذكر أن ما يقارب نسبة70% من المتقاعدين حاليا وعددهم مليون ومائتا ألف متقاعد ومتقاعدة لا يمتلكون سكنا! بالطبع هذه النسبة لم تذكر كم عدد من توفي منهم وهو أيضا لم يمتلك سكنا؟ لقد أجمع الجميع سواء من كتب أو من يعاني من هذا التنظيم على أنه لا بد من تغيير جذري لنظام التقاعد الذي ينص على توقف نصيب الابن من تقاعد والده أو والدته عند بلوغه سن ال 21 ما لم يكن طالبا، ويستمر الصرف حتى إكماله الدراسة أو عند بلوغه سن ال 26، أيهما أقرب، كما يتوقف عند زواج البنت أو الأم أو عملهما، ويعاد بعد الطلاق. وكما ذكر الدكتور العريني: أن هذه القواعد لا تأخذ في الاعتبار أن التقاعد هو حصيلة جهد سنوات عمل طويلة أمضاها الموظف بهدف تأمين حياة كريمة لنفسه ولمن يعول. أما بالنسبة للمرأة العاملة فالمعمول به حاليًا هو صرف راتبها، أو حقها من تقاعد زوجها المتوفى أو أبيها المتوفى، ولا يجوز لها الجمع بين راتبها ونصيبها من تقاعد زوجها أو أبيها، على الرغم من أن لكلٍ منهم شخصية اعتبارية مستقلة ويدفع كل منهم نسبة التقاعد بشكل متساوٍ طوال فترة خدمتهم. كما أن النظام لا يجيز للأبناء الحصول على نصيبهم من تقاعد والديهم المتوفين، بل يصرف لهم فقط تقاعد أحدهما، وهذا مصادرة لحقهم في الحصول على نصيبهم من تقاعد الوالد الآخر، ما يثير تساؤلا حول من الذي يرث أو يحصل على هذا الحق؟ أما الأبناء الذين يتجاوزون السن المحددة أو يحصلون على وظيفة أو البنات اللاتي يتزوجن أو يحصلن على وظيفة، فيسقط حقهم في التقاعد، ولا يوزع نصيبهم على بقية إخوتهم، إن كان لهم إخوة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عمن الذي يرث أو يحصل على حقهم؟ وهناك المتقاعد الذي يتوفى وليس له أبناء أو زوج، أو له أبناء لكنهم تجاوزوا السن المحددة أو حصلوا على وظائف، أين يذهب تقاعده؟ ومن المستفيد من مبالغ هذا التقاعد؟ كما لا يوجد أي اهتمام بالبرامج الصحية للعناية بالمتقاعدين وعائلاتهم، وتوفير برامج التأمين الصحي المناسبة، ولا تقدم لهم مزايا مثل التخفيضات في أسعار الأدوية أو السلع أو التذاكر أو المنح أو السكن، وبخاصة المرأة المتقاعدة التي لا تتمتع بأي ميزة في أنظمة التقاعد، بل تعامل كأنها تعيش على هامش الحياة. ذكرت لي إحدى الفاضلات من اللاتي خدمت في التعليم لعقود أنه بعد وفاة زوجها وكان موظفا في مؤسسة الخطوط السعودية، بل في أيام العزاء جاء أحد مسؤولي المؤسسة كي يسترجع منهم بطاقة كانت يستفيد منها المتوفى في خصم للتذاكر وللعلاج الصحي! وأخذها كي لا تستفيد منها أرملته أو ابنه وابنته! هذا الموقف ألا يدعونا نتوقف ونتساءل: ما هذا التعامل السيئ وغير الإنساني والذي يحمل رائحة العقوق الاجتماعي لمن هم جزء مهم من بنية المجتمع ولأسرهم بعد وفاتهم؟ سواء من أنظمة هذه المؤسسة أو من أنظمة مؤسسة التقاعد. ** نحن نصنع الأنظمة ولا نعدلها إذا ثبت جورها وإجحافها في حق المستحقين لها، فمتى تستوعب هذه الأنظمة أن الوفاء لأبناء الوطن (واجب ومطلب شرعي) قبل أن يكون منة أو تعللًا بالنظام! ولماذا لا تكون هناك إعادة نظر في هذا التنظيم يشارك فيه العلماء والخبراء في القانون والمحاسبة وليس فقط مندوبون وزارة المالية، ومن يمثل المتقاعدين سواء الأحياء منهم أو الذين توفوا كي لا يستمر الإجحاف في حقوقهم وحقوق ورثتهم. • أكاديمية وكاتبة