لقد كانت الصحوة الإسلامية المعاصرة النداء الربانى الذي استجابت له كوكبة من رموز الفن في بلادنا، فتحوّلت عن فن الفسق والخنا والفجور.. وآبت للأحضان الدافئة والحنونة لإسلامنا الحبيب والحنيف العظيم.. لكننا نقول للفنانات اللاتى اعتزلن الفن الهابط -فن الغرائز- والخنا والفسق والفجور: إن هذا الاعتزال هو نصف الفضيلة.. وليس كامل الفضيلة.. ذلك أن كامل الفضيلة إنما يتحقق بتوظيف المهارات الفنية لديكنّ فى إبداع الفن الإنساني الراقي المعبّر عن روح الإسلام، ومثله العليا، وقيم أمته، والذي يملأ النفس الإنسانية بالمُثل العليا، ويدفعها إلى تجديد ملكاتها، ويسهم في تجديد حياة الأمة الإسلامية، وبعث حضارتها، وإعادة هذه الأمة إلى مكانها الطبيعي مكان الريادة والإمامة والقيادة للأمم والحضارات التي تسكن هذا الكوكب الذي نعيش فيه، فتحقق بذلك خيريتها المشروطة واللاعنصرية (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). لأن تقديم الفن الإنسانى المتخلق بالأخلاق الاسلامية الفاضلة، والذى يهذب ملكات الإنسان، ويشبع أشواقه هو التحدي الذي ينتظر هذه الكوكبة من الفنانات والفنانين الذين عادوا وآبوا إلى أحضان الالتزام بالإسلام. وعلى هذه الكوكبة من الفنانات والفنانين أن يتذكروا أن المسلمين الأوائل عندما اعتزلوا عبادة الأوثان، والإشراك بالله، وأخلاق الجاهلية الأولى.. لم يعتزلوا الدنيا، أو يذهبوا في الصوامع والمغارات، بل على العكس من ذلك استبدلوا التوحيد بالشرك، والأخلاق الفاضلة بالأخلاق الذميمة، وجاهدوا فأقاموا دين الإسلام بديلاً من شرك الوثنية الجاهلية، وبنوا الثقافة والحضارة التي ارتبطت فيها الروح بالمادة، والأخلاق بالقوانين والعلوم والمعارف والمعاملات.. كما أبدعت الحضارة التي صنعوها الفنون الراقية التي ارتقت بالأذواق والأشواق والأرواح.. ولقد ازدانت حياة المسلمين وحتى مساجدهم بهذه الفنون الجميلة، حتى لقد قال الفيلسوف الفرنسى الشهير: “ارنست رينان (1832-1892م) ما دخلت مسجدًا إلاّ وندمت على أني لم أُخلق مسلمًا، وذلك إعجابًا منه، وافتنانا بالفنون التي صنعتها حضارة الإسلام، والتي غدت غذاء للروح المؤمنة، وتهذيبًا بتأييد روح القدس لهم في هذا الجهاد.. فليس كافيًا الفرار من فن الفسق والخنا والفجور، وإنما المطلوب اقتلاع هذا اللون من الفن من بلاد الإسلام.. ولن يتأتى ذلك إلاّ بتقديم البديل.. الفن الإنساني المتحلّى بالقيم الفاضلة لدين الإسلام.. وفي هذا الميدان يجب أن تحتشد المهارات والخبرات والكفاءات والمواهب المخزونة لدى الفنانات التائبات الأبيات. وعلى علماء الصحوة الإسلامية ومفكريها وأدبائها أن يعملوا على تحقيق هذا المقصد النبيل، ففيه تحقيق الفضيلة الكاملة من وراء اعتزال فن الخنا والفسق والفجور.