* في حادثة ليست مستغربة، واعتيادية جدًّا في المجتمعات الغربية، قدّم وزير الدفاع الألماني في إدارة المستشارة أنجيلا ميركل، كارل تيودور غوتنبرغ استقالته من الحكومة؛ بسبب عدم إشارته إلى اقتباسات واستشهادات من مراجع ومصادر علمية أخرى، في ثنايا رسالته التي حصل بموجبها على درجة الدكتوراة في القانون. * الاستقالة أتت بعد أن اعتبرها الألمان فضيحة أخلاقية، لم يلتزم فيها الوزير بالأساليب والتقاليد والأعراف الأكاديمية والعلمية حين الأخذ من مراجع ومصادر أخرى غير رأيه هو وفكره، واعتبار ذلك سرقة علمية، وعدم نزاهة أخلاقية، يعاقب عليها القانون، فما كان من الوزير وهو مسؤول كبير سوى الاعتذار، وتقديم الاستقالة. * سرحتُ مع نفسي، وقلتُ: كم في فضائنا العربي من فضائح من هكذا نوعية؟ بل وأخطر وأشد فتكًا في تأثيرها على المجتمع، وأخلاقياته، من مثل الصدق، والأمانة، والنزاهة. فعلى مدى سنوات، وأنا أكتب ليل نهار عن الشهادات المزوّرة، وعن الجامعات الوهمية من مثل جامعة لندنالأمريكية التي يسمّيها وهمًا خرّيجوها بالجامعة الأمريكية في لندن، ومع ذلك فلا حس ولا خبر، بل أصبحت الشهادات تزداد، وأصحابها يتكاثرون مثل بعوض حمّى الضنك دون حياء أو خجل. * والمؤسف ونحن أمام حالة وزير الدفاع الألماني أن بعضًا ممّن يحملون شهادات دكتوراة سوق الصواريخ، وحراج بن قاسم يعملون في إدارات حكومية معنية مباشرة بتكوين شخصية الناشئة، كما في إدارات التربية والتعليم، أو ممّن ينتسبون إلى العلم الشرعي، أو ممّن يتقمّصون شخصية الملتزم، وهم ليل نهار، وعبر وسائل الإعلام يملأون الفضاء ضجيجًا بالمبادئ والأخلاقيات المطالبة بالإصلاحات!! * المفجع أن هذه النوعية لم تخجل من كونها تحمل شهادات ليس لها من نصيب سوى الورق الذي كُتبت عليه، والمال الذي دُفِع من أجل شرائها، بل تنافح عن الشهادات، وتصر على الباطل، كما حصل مع كثير منهم في ردودهم على مقالاتي السابقة، التي وصلت حد التهديد بمحاكمتي من قِبل خريجي جامعة لندنالأمريكية في المحاكم البريطانية، وهنا أيضًا في هذا الوطن العزيز. * والبعض الآخر من هذه العينة لم يستحِ من نفسه، ويتوارَ خلف جدار، بل اتّهمني بأني أحسد حملة الدكتوراة، وأنني لا أتمنّى أن يحصل عليها غيري، لمجرد الغيرة، وكأني أملك زمام هكذا أمر. ولكنها وكما أكرر العقلية الانتهازية، والذهنية الفهلوية التي تؤمن بأن الشطارة والذكاء هما في كسر الأنظمة، والتعدّي عليها بكل الوسائل والسبل، وبأن المال يستطيع شراء كل شيء حتى الذمم. * مؤسف حقًا أن نكون أبناء أعظم وأجل دين، ولا نعترف بالمبادئ والأخلاقيات الإنسانية السوية، بينما أبناء مجتمعات بشرية أخرى ممّن ننال منهم ليل نهار، ونصفهم بأردأ الصفات يحترمونها، ولا يتحرّجون إطلاقًا من الاعتذار والاستقالة، حتى وإن كانوا في مناصب حكومية رفيعة، كما حدث مع وزير الدفاع الألماني.