(1) الاستقرار في المجتمعات يأتي على صيغتين تنقض إحداهما الأخرى، استقرار أمني(سلبي) لا يعنيه كثيرا ضجيج الفساد وأنين الفقر وصراخ الحرية.. واستقرار أمني (إيجابي) تدعمه مؤسسات الدولة المدنية الناهضة بالعدل والاكتفاء والحرية.. ما يختاره الانسان من هاتين الصيغتين هو الذي يحدد شرعيته الوجودية ومدى تحقق الشرط الانساني داخله!! (2) (سيزيف) محارب الميثيولوجيا الإغريقية، الذي حكم عليه أن يحمل صخرته، يدحرجها إلى أعلى الجبل الشاهق، لتسقط ثم يعود من جديد يحملها إلى قمة الجبل.. وهكذا تستمر معضلته الأبدية حتى يموت بين الصخرة والجبل! و(العنقاء) الطائر الأسطوري الذي يقوم بحرق نفسه، ليصنع من رفاته جسدا يمور بالولادة الجديدة والحياة المنتظرة!.. كلاهما.. (سيزيف) و(العنقاء) يمثلان صيغتي المشهد العربي منذ الخمسة والثلاثين يوما الأخيرة من عمر الزمن!! (3) (الثورات العربية) الغابرة، منذ بدايات النصف الثاني من القرن المنصرم، حققت بعض الأعمال المهمة داخليا وخارجيا، ولكنها من المنظور (الثوري).. منظور التغير الجذري، آلت إلى الفشل في جميع الميادين، وهو فشل نتج عنه مزيد من التراجع في ميادين المعرفة والاجتماع والاقتصاد.. كانت في محصلتها ثورات لتعطيل الحياة.. (الثورات العربية) الجديدة.. هل تكون حقا صيحات حرة لتحريك الحياة؟ وعندها نكون قد ولجنا -من حيث نريد أو لا نريد- في الزمن العربي الجديد!! (4) .. للذين يشككون في مهنية ومصداقية بعض الوسائل الاعلامية.. هل أن تلك اللقطات والمشاهد والأحداث التي تجري أمام أعيننا قد جلبها مهنيو تلك الوسائل من بيوتهم؟! أم أن هؤلاء المرتهنين لثقافة الخديعة لا يستطيعون أبدا استيعاب كل تلك التفاصيل الواقعية المدهشة!! (5) .. للحقيقة، فإن الطغاة من (ديكتاتوري) السياسة لم يهبطوا على أرض البلاد العربية مصادفة من السماء، وإنما هم خرجوا من أرضهم التي أعلنوا عليها طغيانهم.. خرجوا من بين أبنائها.. من تاريخ بلادهم.. ومن ثقافتها.. وما فعله هؤلاء الطغاة لم يفعلوه بفكرهم وحده، أو بأيديهم وحدها. كان بالتأكيد حولهم حشدهم الخاص وجماهيرهم الطيعة.. هل ينهض الطغاة وحدهم؟ أليسوا في حاجة إلى خانعين ينهضون على رفاتهم؟ من أين يجيء هؤلاء الخانعون الذين يتواطأون لإقامة النظم الطاغية؟.. ألا يجدر بالعرب منذ البداية أن يراجعوا ثقافتهم بمكوناتها وآلياتها ومرجعياتها.. ويجرون عليها عمليات النقد الجرئ الخالص، حتى يطمئنوا إلى اختفاء هذه النماذج إلى الأبد.. ولا يكونوا في حاجة إلى (ثورة) يريقون على نطعها الدماء الأبية البريئة. غياب النمط الحواري البوليفوني في مفردات الثقافة العربية هو الذي خلق البيئة المناسبة لظهور هؤلاء الطغاة المتسلطين.. في البيت والشارع، وفي المؤسسات الدينية والتعليمية والسياسية بعد ذلك..! (6) .. عندما يتحدث بعض القادة العرب في كل الأحوال، أو يخطبون في شعوبهم لظروف محددة.. لا ندري في لحظة يائسة من هم أعداء العرب الحقيقيون..؟ أعداء التاريخ من الصهاينة المحتلين أم هؤلاء القادة ذاتهم، وهم يحكمون بالموت على شعوبهم، والحرق على بلدانهم؟ وحتى ولو لم يبثوا عداءهم مباشرة، فإن صمتهم على نوازع الفساد والبطش والجوع يجعلنا كعرب نظل على حيرتنا إياها في تحديد عدونا الحقيقي الأول... هل أن المشكلة من العرب وفيهم وهم يبحثون عن شماعة بعيدة يعلقون عليها أخطاءهم وانتكاساتهم وقهرهم ؟. (7) إذا تحررت البلدان العربية من الاستعمار الخارجي.. وأنظمة البطش والفساد الداخلي، فمتى تتحرر تلك البلدان ذاتها من العنف الذي ترثه والذي يمارس كأنه لغة يومية؟.. متى يكون التحرر من عقلية الاقصاء والعنف.. وقيم الإقصاء والعنف.. وأدبهما وعلمهما؟؟! (8) .. تجريد الانسان/ المواطن العربي من جوهريه الانسانيين: الحرية والكرامة، إنما هو إفراغ الاوطان ذاتها من الانسان.. بحيث لا تتعدى الاوطان إلا أن تكون فضاء يمتلئ بأشياء وأرقام وحروف.. فقط ! (9) .. إلى هذه الدرجة أصبح العرب لا يثقون بأنفسهم؟ ويظلون يرتهنون إلى ذواتهم ككائنات مستهلكة فحسب..! ومع ذلك فلا يمكن أن يستمر ذلك إلى الأبد، فجدليات التاريخ تقرر التحولات والاندماج في حركية الزمن.. حتى ونحن نستقرئ تلك الضرورة التاريخية الكونية التي نهض بها الشباب العربي مؤخرا فإننا نرجع ذلك الإنجاز لمؤثرات خارجية متعددة.. رغم إن الوقائع تثبت أن تلك اللغة الفتية الجديدة أفضت إلى دلالات ذلك الإنجاز بجلاء.. بل ان هذه اللغة النقية الموجوعة المعبرة كانت أكثر حسما وفاعلية من لغة النخب السياسية والاجتماعية والثقافية التي لطالما امتلأ بها الفضاء العربي ردحا طويلا من الزمن. (10) .. يخطئ الآباء فيدفع الأبناء الثمن كثيرا..! ويغضب الآباء من الغضب الطفولي للأمهات فيظلم الأبناء كثيرا كثيرا..!