سبحان مغير الأحوال، في لحظة واحدة تغير الميدان، بما فيه ومن فيه، وأصبح محط أنظار العالم، ومنظم دقات قلوبهم، من خلال الصور التي تبث على الهواء مباشرة، على شاشات الفضائيات لحظة بلحظة. ميدان التحرير الذي أصبح وطنا تسكنه مئات الألوف - أعتقد أن العدد اجتاز المليون- من كل الفئات، والشرائح، والأطياف، والطبقات، على عزف الهتافات التي لم تخل من ظرف المصريين وخفة دمهم. حتى وهم في أحلك الظروف، والموت يداهمهم، ومصير حاضرهم ومستقبلهم يكتنفه الخطر والغموض. عندما أصبحوا يدا واحدة، داخل حيز محدود، حول أجسادهم إلى كتلة بشرية متناغمة، رغم الفروقات والاختلافات على كل الأصعدة، لكن روح الشباب شحنت أرواحهم بالأمل، وكسرت حاجز الخوف، وأظهرت الشخصية المصرية التي عرفناها عبر التاريخ، فكرا حرا، وإرادة حديدية، وسلوكا أخلاقيا وحضاريا. كنا نبحث عن تلك الشخصية المصرية كلما ذهبنا إلى مصر، وظننا أنها ذهبت مع من ذهبوا.. في ميدان التحرير عادت الشخصية المصرية الأصيلة، حيوية وحضارية، في ثورة الشباب سواء أطلقنا عليها، ثورة 25 يناير، 11 فبراير، ثورة الشباب أو الثورة الشعبية، علامات مضيئة في سجلات تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية والتاريخ الانساني بأكمله! عندما وجهت «أسماء محفوظ» دعوتها للشباب والشابات، للوقوف في ميدان التحرير يوم 25 يناير، لم يخطر على بالها أنها تقلب صفحة التاريخ! على اليوتيوب وجهت أسماء كلمات قليلة كبيرة في مضامينها الانسانية والحضارية، واستفزت شهامة الشباب قائلة: ( لو كنت خايف علينا من التحرش تعال احمينا). شاهدت أسماء واستمعت إليها وقلبي يخفق تأثرا، وقلت في نفسي: من يستمع إلى هذه الشابة ثم يطاوعه قلبه ويظل جالسا مستكينا راضخا مستسلما؟ ذهبت أسماء ومن معها من الشباب والشابات إلى ميدان التحرير ليثبتوا أنهم أكبر من اليأس والاحباط الذي يواجه جيلهم ويدمر منه الضعفاء، الذين يوقعهم حظهم العاثر في براثن المخدرات، أو تنظيمات الإرهاب أو يحرقون أنفسهم يأسا وإحباطا،عندما تسد أمامهم السبل. أثبت الشباب أنه قوة، يستطيع أن يتدخل ليغير الحياة، ويصحح حركة التاريخ، ويمحو صفحات منه، ويشكل وطنا يستوعب طاقته وطموحه وأحلامه. أسماء ومن معها حولوا ميدان التحرير إلى وطن استوعب كل من ضاقت به مصر على شساعة مساحتها، ونجحوا في تحقيق الهدف الرئيسي ( التغيير ) دون فوضى، رغم الغياب الأمني، استطاع الشباب المصرى أن يقوم بكل المهام داخل ميدان التحرير وفي كل الميادين والأحياء والمدن. ( إنه بالفعل يدخل ميدان الفضيلة والأخلاق عندما يجتهد ليكون حرا). الشباب المصرى في ميدان التحرير أو ميدان الفضيلة والأخلاق كما رأينا خلال أيام الاعتصام، رغم حشود الملايين- استطاع أن يتعايش بهدوء ودون فوضى ولا سلوكيات منفرة أو خادشة بل برقي وعزيمة وإصرار. نجح الشباب في اجتذاب الملايين حتى من ليس لهم علاقة بالسياسة كما نجحوا في حشد التأييد والدعم من الجميع بعد يوم الأربعاء الأسود الذي تعرضوا فيه لمعركة السيوف والسنج أو كما يطلق عليها معركة ( الجمل). هذا هو الشعب المصري الأصيل الثائر ضد الاستعمار والفساد على مر التاريخ لكن قدر المصري أن حلمه لا يكاد يبدأ حتى يتحول إلى كابوس ثقيل وطويل من التسلط والفساد لذلك أتمنى أن تكتمل فصول الحلم ومراحل البناء لدولة كما يطلبون (مدنية برلمانية بعد تعديل الدستور) وأن يكون للشباب مكان بارز فيها والا تعود الوجوه القديمة وتعود ريما لعادتها القديمة. مصداقية الاعلام: بعد أن كادت قناة دريم، أن تفقد جاذبية برنامجها المحبوب 10 مساء، وتجبر المتابعين على الانصراف عن مقدمته الرقيقة منى الشاذلي، عندما انحازت للطرف الأقوى وللأقلية المتسلطة ضد إجماع الأغلبية- استطاعت في حلقة واحدة، أن تستعيد جاذبيتها وتألقها، مساء الأثنين 7 فبراير 2011 وهي تستضيف أحد رموز الثورة ( وائل غنيم ) أزعم أن كل من شاهد وائل غنيم يبكي لا بد أن قلبه انفطر من الحزن والألم وانسابت دموعه غزيرة وهو يشاهد القهر والحزن والحلم الضائع من بين يدي الشباب العربي! وائل غنيم كان يبكي على من استشهد من الشباب بحرقة كطفل انتزع من حضن أمه وهو يعتذر بحرقة قائلا: ( أعتذر لكن هذا ما كان خطأنا ) عبارة بليغة ترسم الصورة على شاشة المشهد السياسي المصري بوضوح وبدون رتوش، ديناصورات السلطة وهي تدوس بأقدامها على أحلام الشباب وتقتل طموحاتهم دون رحمة! كذلك نجحت منى الشاذلي في حشد شخصيات مهمة، لكنها غير مسيسة أو بعيدا عن السياسة، لولا مجزرة الأربعاء التي حصدت عددا كبيرا من الشهداء معظمهم من الشباب ربما لم يعرف ضيوف منى الشاذلي ماذا يحدث في ميدان التحرير! جراح القلب ذهب إلى ميدان التحرير استجابة لنداء ابنته، ومنذ تلك اللحظة وهو في ميدان التحرير تاركا المشفى بعد أن رأى فتك البلطجية بالشباب العزل الذي يخوض غمار الموت ببسالة وهو أعزل إلا من سلاح الكرامة. قوم يا مصرى مصر بتناديك قام المصري ولبى النداء، طوى الصفحة القديمة ، نزعها من سجل تاريخه، أتمنى إلى الأبد. [email protected]