بعد نشْر مقالي (جدّة تئنّ ومؤسّسة التقاعد تمنّ) بَحَثَتْ عنّي مؤسّسة التقاعد بأشعّة الشمس، ثمّ بضوء القمر، ثمّ باللمْبة، ثمّ بالشمعة، حتى عثرت عليّ أخيراً في التليفون!. وبأمانة، كان مسؤولها الذي تلْفَنَنِي، دمِث الأخلاق، وقد تلْفَنَنِي نيابةً عن محافظها الذي كلَّفه بتصحيح كلّ المعلومات الخاطئة ال (مُعشِّشَة) في مُخّي عن المؤسّسة!. قال لي إنّ توقيت تصريح المؤسّسة عن كَوْن راتب (80%) من المتقاعدين هو (3000) ريال، بما رأيتُ أنا فيه من استفزازٍ للمتقاعدين لضآلة الراتب، لم تقصد هي أن تُزامنه مع كارثة جدّة، لولا أنه ردّ لما نشرته إحدى الجرائد في نفس التوقيت، فقلتُ له: ليتكم أجّلْتم التوقيت، لأنّ مُتقاعدي جدّة تضرّروا مادياً من الكارثة وزادهم التصريح ضرراً معنوياً، كيف لا؟ وهم يرون اعتبار المؤسّسة لهذا الراتب ميزة بينما هو غير ذلك!. قال لي إنّ المؤسّسة جهة تنفيذية لا تشريعية كي تُقرّر زيادة رواتب المتقاعدين، فقلتُ له: وأنا مهندس تنفيذي، وهناك مهندس تصميمي يُعدُّ مُشرِّعاً لي، فلو جاءني منه تصميمٌ خاطئٌ هل أنفّذه؟ طبعاً كلاّ فواجبي أن أنبّهه ليُصلحه، أليس هو واجب المؤسّسة كذلك؟. قال لي إنّ راتب ال(3000) ريال هو نموذج واحد، وهناك متقاعدون يستلمون رواتب أعلى من ذلك بكثير، فقلتُ له: إنهم قِلّة، والعِبرة في الكثرة لا في القِلّة!. قال لي: هات اقتراحاتك وسنهتمّ بها، وليس لديّ اقتراحات سوى تفريج معاناة المتقاعدين، فهم أفْنوا حياتهم في خدمة بلدهم، ورواتبهم خلال توظّفهم تُقتطع منها نسبة للتقاعد تستثمرها المؤسّسة دون منحهم أرباح، ومع ذلك لا يتذمّرون، وبعد التقاعد يُمنحون راتباً غير كافٍ، كما أنّ حظّهم عاثر في برامج تمليك المساكن، وفي التأمين الصحّي، فتفترسهم الأمراض، وجمعيتهم (جَاتْ) تُعينهم (لَقَتْ) نفسها (تِنْعَانْ)، ويُمنع عنهم الشراء بالتقسيط بحجّة دنوّ الموت منهم، ويُساوون في فواتير الخدمات مع الموظّفين والأثرياء، وبعد وفاتهم تُجيَّر معاناتهم لورثتهم، فإن تأخّر وريثٍ لهم في تحديث معلوماته تُوقفُ رواتبهم عن كلّ الورثة حتى يتمّ التحديث، وكم من أرملةٍ تربّصت آخر الشهر لتقبض راتب زوجها من البنك فوجدته موقوفاً، فهرَعت للمؤسّسة تسْتجْديها، أو تقترض ما يُعيِّشها من صديق أو قريب!. يُقال إنّ متقاعداً أوروبياً سأل متقاعداً سعودياً عن أحلامه، فقال: راتبٌ كافي، وتأمينٌ صحيّ، وبيتٌ مملوك!. فاستغرب المتقاعد الأوروبي قائلاً: أنا لا أسألك عن حقوقك، بل عن أحلامك!. [email protected]