قلب الحدث اليوم هو «مصر»، ولا غرابة فهي أم الدنيا -كما يُقال-! ومن هناك، من عاصمة الحدث، من القاهرة كنتُ أرى وأسمع ما يحدث! فقد قدّر الله أن أكون هناك قبل أحداث 25 يناير بيوم، وإلى ما بعد أحداث الجمعة بيوم، وكنتُ أنتظر معرض الكتاب الذي اختفى مع العاصفة، كما اختفى غيره! ومن دروس تلك الأيام العصيبة وهي كثيرة؛ إلاّ أن الذي أحسستُ به، وتأكد معناه عندما شعرتُ بشيءٍ من نقصانه هو (نعمةُ الأمن)، فهي نعمةٌ عظيمةٌ لا تعدلها بعد الإيمان نعمة! فقد رأيتُ في وجوه الناس في تلك اللحظات اللهفة، والخوف، والقلق من المجهول الذي تُخفيه الأيام! فتذكرتُ قولَ اللهِ تعالى وهو يمتنُّ بفضلهِ على خلقه (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) وقوله: (وَاذْكُرُوا إذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ..) ومع فقدِ الأمنِ، وشيوع الخوف لا يهنأ الإنسانُ بنعمةٍ مهما كانت! فلا يهنأ بصحةٍ، ولا مالٍ، ولا جاهٍ، ولا سلطةٍ، بل للخوف أثرهُ على عبادة المسلم، وتمكُنه من أداء ما افترضهُ الله عليه من واجبات وسُنن، لذلك حرص الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن يكون للإسلام دولة يأمنُ المسلمون فيها على دينهم، وحرُماتهِم، وأعراضِهم. لذلك فنحن في هذا البلد الآمن؛ لابد -ومع ما نسمع ونعايش ونشاهد- لابد وأن يتجدَّدَ لدينا الشعورُ بهذه النعمة، وأن نشكرَه ونحمده عليها، ونسأله دوامها، ولننظر حولنا لنعرف كيف يعيش الناس مع فقد الأمن؟ ومن دروس هذه الأحداث أنها تُظهر معادن الناس، ومدى الإحساس بالمسؤولية. فقد كان عددٌ غفيرٌ من المواطنين هناك، وكانوا في أمسّ الحاجة إلى مَن يُسْمِعهم كلمةً مسؤولةً تُدْخِل على نفوسهم -القلقة- الاطمئنان والسكينة، لذلك فقد كان موقف معالي السفير في القاهرة مستنكرًا ومستغربًا، وهو الذي يمثل الدولة والحكومة هناك، والذي من واجبه أن يسعى في خدمة المواطن في جميع الظروف، فما بالنا في موقفٍ كهذا؟ فقد رأينا وسمعنا موقفه الساخر والمتعالي من تلك المواطنة الكريمة، التي بلغَ منها القلق مبلغًا لا تُلامُ عليه، وهي لم تطلب إلاّ حقًّا مشروعًا وواجبًا من هذا السفير، ومن كلِّ مسؤول، فكان يكفيها كلمة اطمئنان، وموقف مسؤول، ومع ذلك جوبهت بشيء من السخرية والتعالي!! يا معالي السفير: توجيهات خادم الحرمين لا مزيد عليها، وهي في غاية الوضوح والمسؤولية، وما فُتحت السفارات إلاّ لخدمة المواطن!! وإن لم تكن السفارة خير معين للمواطن في مثل هذه الظروف، فمتى تكون؟! فرفقًا بالمواطن، فهو صاحبُ حق، والمسؤول مهما كان موقعه يجبُ عليه القيام بأداء واجبه شرعًا ونظامًا، ولا منّة له في ذلك على أحد! حفظَ الله بلادنا، وحفظ بلد الكنانة من كل سوء. [email protected]