“كل إنسان منا يحمل بداخله عدة شخصيات متناقضة، ولكن يضطر للعيش بشخصية واحدة، يظهرها للجميع. ربما لا نستطيع العيش كما نريد؛ ولكن نحمل بأنفسنا شخصية داخلية تحيا في خفايا النفس، ومن الصعب إظهارها للمجتمع؛ ربما لظروف معينة، أو ربما لأننا لا نريد أن يرانا الآخرون بهذه الصورة، فأنا وأنت من هذه الشخصيات المطروحة في المعرض ومن تحب أن تكون ومن هنا جاءت تسمية المعرض..”. متكئة على هذه الفلسفة الجمالية قدمت الفنانة التشكيلية غدير حافظ معرضها “مجموعة إنسان” بصالة العالمية للفنون بجدة، محتويًا على أكثر من أربعين لوحة فنية عبرت من خلالها عن الإنسان بأسلوب مميز وفكرها وإبداعها. بحث عن النفس الشاردة غدير أبدت سعادتها بالمعرض كاشفة عن فكرته بقولها: حملني البحث عن الذات من خلال خفايا النفس الشاردة والوقوف للحظات في تأمل الذات لتقديم هذا المعرض، ولهذا رغبت من خلال هذه الأعمال أن أفتش وأساعد كل إنسان على إيجاد شخصه الحقيقي من خلال البحث في خفايا النفس الشاردة بالوقوف أمام كل المشاعر التي يعمد الإنسان لإخفائها عمن حوله، ربما هذه المشاعر تكون متمثلة في شخصية لا يحب الإنسان أن يظهرها لمن حوله لأي سبب من الأسباب.. فأنا أسعى من خلال ريشتي وأعمالي أن أجعل كل إنسان يقف وقفة صادقة مع نفسه ليواجه ذاته ويحدد أيًا من هذه الشخصيات هو.. ربما تفرض علينا الحياة أن نعيش الازدواجية في شخصيتنا، وربما أيضًا نحيا بشخصيات عديدة لا نشعر بالرضى عنها؛ ليس بالضرورة أن تكون هذه الشخصية شريرة أو سيئة؛ بل من الممكن أن تكون شخصية رائعة ومعطاة، ولكن لا نشعر أنها هي الشخصية التي نحب أن نحيا بها.. لا نستطيع أن نعرف أنفسنا أو نتعرف عليها إلا بالجلوس ولو للحظات في خلوة مع الذات، حيث إننا وقتها نتأمل كل المتناقضات التي تحملها أنفسنا رغمًا عنها بسبب ضغوط الحياة؛ من هذا المنطلق بدأت صرخاتي لتنادي العالم بأسره لأقول “أجمل ما قد يكون أن تنظر لما يجول بداخلك وتواجه صراعاتك الداخلية وتواجه هروبك من ذاتك بالوقوف أمام ذاتك الشاردة على أنها عدو لك لأن مشاعر الهروب من الذات هي ذاتها تسعى لتدميرك فكن كسيفًا واقسُ على نفسك للحظات (واجه ذاتك لتجد حياتك)، ربما ضغوط الحياة تجعلنا نفتقد جزءًا كبيرًا من إنسانيتنا ونتناسى أننا بشر ونعيش كالآلات المنغمسة في العمل والعطاء للآخرين، ولكن نظل نفتقد الحب والحنان رغم كل هذا الزحام الذي يحيطنا؛ إلا أن الثغرات التي بداخلنا ما زالت موجودة. البحث عن النفس داخل النفس رؤية الناقد ياسر أبو طالب للمعرض تجلت في قوله: جاء معرض الفنانة غدير حافظ “مجموعة إنسان” دعوة إلى البحث عن الذات داخل النفس البشرية، ومسمى المعرض ما هو إلا إدراك ووعي الفنانة غدير بالتداخلات التي طرأت على النفس البشرية وأدت بالتالي إلى حالات الاغتراب التي يعيشها الإنسان داخل نفسه، فهو يبحث عن نفسه داخل نفسه في الازدواجية المبهمة في الشخصية المعاصرة التي انعكست على تشكيل مفهوم السلوك الإنساني المعاصر. فالفنانة غدير حافظ المميزة والقديرة، صاحبة الرسالة الأخلاقية، محبة إلى الرموز الأولى للإنسان التي غابت بل أقول قد اختفت في نفوسنا.. الرموز التي تحمل معاني الصدق، والأمانة، والإخلاص، والحب، والصداقة، فكل عمل فني هو حالة وجدانية عاشتها الفنانة أو تعايشت معها، تألمت منها، تمنتها، استنكرتها، ثارت عليها، فهي إنسانة مرهفة الحس، صادقة المشاعر، سامية الأماني، ولها تاريخ حافل بالانجازات والمساهمات والمشاركات على المستوى المحلي والدولي.. فشاركت في أكثر من 25 معرضًا داخل المملكة وكان لها الطابع الخاص بها والمميز في أعمالها وحصلت على عديد من الدروع وشهادات الشكر والتقدير من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وأيضًا من صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن عبدالعزيز آل سعود.. وشاركت أيضًا على المستوى الدولي في المغرب ضمن فعاليات ملتقى مكناس الدولي للفنون التشكيلية، وفي النمسا في المعرض الرباعي بمدينة فينا عام 2009م الذي كان بمثابة الدافع والحافز النفسي لإقامة معرضها الحالي “مجموعة إنسان”، المعرض يضم أكثر من خمسين عملًا فنيًا، يناقش ويطرح حالات وجدانية يمر بها كل انسان سواء مع نفسه أو مع الآخر أو في المجتمع الذي يحيا فيه. ويتابع أبو طالب حديثه مضيفًا: جاء إبداع الفنانة غدير في استخدامها للألوان الصريحة والخطوط القوية والعريضة لتجسد أجمل وأروع الأعمال الفنية للوجدان النفسي للشخصية. ولو نظرنا إلى عملها الفني شريحة واحد (اغتراب) لوجدنا روعة العمل الفني في تجسيد الحالة الوجدانية للفنانة ورؤيتها على مدى الاغتراب النفسي الذي يعيشه الإنسان داخل نفسه، فنجد شخصية مبهمة المعالم والانفعالات التي تعكسها الألوان الصريحة، فاللون الأبيض يدل على صفاء النفس في الشخصية، والأزرق يدل على الهدوء، والأسود يدل على العمق، والأصفر يدل على الغيرة والحسد، والأحمر يدل على الحماس والطاقة. فهي مجموعة انفعالات بالألوان صريحة وقوية الوضوح، توحي بمدى التناقضات الانفعالية داخل الشخصية الواحدة؛ حتى نظرة العين التي جاءت مملوءة بالانفعال من غضب ودهشة وذهول ما هي إلا صرعات نفسية تمر بها الشخصية وكأنها تقول لحال نفسه: أنا من أكون من كل هذه الشخصيات المتداخلة داخل نفسي؟! ويختم أبو طالب حديثه عن المعرض بقوله: رسالة الفنانة غدير في “مجموعة إنسان” ما هي إلى دعوة لكل فرد للبحث والتنقيب والتعمق داخل نفسه ليجد ذاته في نفسه، وأغلب أعمال المعرض ما هي إلا رسائل للعودة إلى الرموز الأولى للإنسان من صدق، وصداقة، وحب، وأمانة، والاعتراف بوجود الآخر، واحترام مشاعر الغير، فالفنانة غدير حافظ مرهفة الحس، صادقة المشاعر، مثالية الطباع، فجاءت أعمالها معبرة عن الانفعالات الوجدانية التي مرت بها وتعايشت معها، فانعكس ذلك على ريشتها وألوانها الصريحة والخطوت الحادة القوية، معبرة عن صدق ما تؤمن به الفنانة غدير صاحبة دعوة “ابحث عن نفسك داخل نفسك”.