أصبح الحديث عن مشكلات العمالة المنزلية حديث المجالس في بلادنا، وهي مشكلات أزلية لا تنتهي: من امرأة عذبت خادمتها وشوهت وجهها وجسمها بالضرب والحرق، وأخرى قطعت شفتي خادمتها، وكفيل دقّ في جسم خادمته عدداً هائلاً من المسامير قبل ترحيلها، ناهيك عن خادمة قتلت كفيلتها وقطعت أوصالها بالساطور، وأخرى حرقت وجه طفل بالماء المغلي، سوى قضايا الهروب والعمل غير الشرعي عند غير الكفلاء، وبالمقابل عدم دفع رواتب الخادمات والسائقين، والقضايا المرفوعة بشأن ذلك في السفارات والقنصليات إلى آخر القائمة. وكل هذه المشكلات سوى المشكلات الأخلاقية والجرائم الجنسية التي تقع كل يوم: محصلة طبيعية لوجود مليون عازب ومليون عزباء يعيشون معنا في بيوتنا، وأحيائنا ومدارسنا ومتاجرنا، وحدائقنا وكل شارع وكل زقاق كما يقال. في حال لا يوجد ما يشبهها في العالم كله. أما الغرب كله فلا وجود فيه للخدم والسائقين، فكلٌّ يخدم نفسه، ومن عاش منا في الغرب أدرك أن خدمة أفراد العائلة لأنفسهم أمر ممكن، ولم نحتج يوماً ونحن في الغرب لشخص غريب عنا يعيش بيننا ليخدمنا، وفي الشرق، قد توجد بعض الخادمات في دول عربية غير خليجية ولكن في أضيق الحدود وفي أوساط الموسرين فقط، لأن الأسر لا تستطيع أن تدفع أجورهن، وقد تستغني بخادمات محليات أو بخدمة أفراد الأسرة لبعضهم، وبالطبع لا وجود للسائقين على الإطلاق، لأن كل دول العالم تسمح بقيادة المرأة بما في ذلك دول الخليج، ومازال الموضوع قيد الدراسة في بلادنا، وإن نتحدث عن دول الخليج فإن مشكلاتهم مع الخدم أقل من مشكلاتنا بكثير لأن مساحات هذه الدول محدودة، ولا تسمح بهروب العمالة، كما أن المستوى المعيشي للمواطن أعلى منه بكثير في المملكة، فلا يحدث أن لا يدفع الواحد منهم أجر الخادمة أو السائق، وعلى كل الأحوال فإن أعداد السائقين لديهم أقل بكثير من أعدادهم لدينا، لأن المرأة يُسمح لها بالقيادة في كل دول الخليج. ويبقى وجود هذه الفئة وضعاً شاذاً على كل الأحوال لدينا ولدى سوانا من الدول، فقد ولّى عهد الخدم منذ وقت طويل، حتى أن التسمية مرفوضة ويطلق على الخادمات في إدارات الاستقدام لدينا اسم: (عاملة منزلية)، تأدباً، أو مراعاة لحقوق الإنسان أو ما شابه ذلك. وبالطبع فإن قيادة المرأة للسيارة قد تكون بديلاً لوجود السائقين، الذين لا تقل مشكلاتهم عن مشكلات الخادمات إن لم تزد عنها، فهم يختلون بنسائنا وبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا في رحلات قصيرة أو طويلة بين المدن، ونرتكب بذلك محظوراً شرعياً لا خلاف عليه، بينما هناك خلاف واضح في مسألة قيادة المرأة للسيارة، وعلى كل الأحوال لسنا هنا في معرض مناقشة قيادة المرأة للسيارة التي لا تنتهي، ومسؤولونا «أبخص» كما يقال، وهم أعلم بظروف مجتمعنا ومدى تهيُّئه لأمرٍ كهذا. وأود في هذه المقالة طرح فكرة جديدة سمعتها من بعض أهل العلم الشرعي والفُتيا وناقشتها معهم ومع أصحاب الفكر من أبناء هذا الوطن. وتتلخص هذه الفكرة في اقتراح السماح باستقدام (سائقات) من بعض الدول المجاورة خصوصاً من شرق إفريقيا من السمراوات وشديدات الشكيمة إن جاز التعبير، على أن يتجاوز عمر السائقة الأربعين عاماً، لتعمل لدى عائلاتنا وتركب معها نساؤنا بحرية تامة ودون أي تحفظ، وتجلس من شاءت منهن في المقعد الأمامي وتكون لديهن سعة في حجابهن داخل السيارة إن كانت السيارة مظللة، ولا يتحرجن من وضع عطورهن وزينتهن إن كن ذاهبات إلى مناسبات كالأفراح وسواها وهكذا، ثم إن جلبت السائقة مشتريات للعائلة، فلا حرج في أن تدخلها إلى وسط المنزل خلاف ما يحدث مع السائقين ولا يلزمها أن تقيم في غرفة خارجية: يعلم الله وحده ما يحدث فيها ليلاً وفي كل وقت، كما نعلم جميعاً عن غرف السائقين ومصائبها وبلاويها. فالسائقة يمكن أن تقيم في غرفة داخلية كالملحق مع الخادمة أو وحدها وهكذا، ويمكن لها أن تعمل (بنظامين) فتكون سائقة وخادمة في آن معاً. وقد نجحت هذه التجربة نجاحاً باهراً في بعض الدول المجاورة، خصوصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويمكن أن تنجح لدينا بشكل أفضل إن خطط لها جيداً وتحققت توعية الجمهور بفكرتها وحسناتها، فهي تريحنا جميعاً من مخاطر السائقين وتريحنا كذلك من وساوس الخلوة، والأهم من ذلك كله أنها ستكون اختباراً حقيقياً وواقعياً لمدى تقبل مجتمعنا لقيادة المرأة للسيارة، وإمكانية نجاح ذلك أو فشله، ويمكن أن تقتصر المرحلة الأولى على القيادة داخل المدن أو لمسافات محددة. وضمن شروط واجب توفرها في المستقدمة كما أسلفت. هي فكرة تبدو قابلة للتنفيذ أعرضها من خلال هذا المنبر الوطني خالصة لوجه الله الكريم، نابعة من الحرص الأكيد على مصلحة الوطن وخدمة مجتمعه المسلم.