الإنترنت سلاح ذو حدين غفل عنه كثير من أولياء الأمور، كما تغافلوا في الوقت ذاته عن خطورة إدمانه، من يتابع حال شبابنا وواقعه الحالي سوف يحزن لرؤيتهم غارقين في محيط الإنترنت الذي يستهوي بصورة خاصة حديثي السن من شبابنا وفتياتنا، فالبعض نجده منهمكًا في الألعاب الإلكترونية، وآخرون تأخذ مواقع الدردشة معظم أوقاتهم وأصبحت شغلهم الشاغل وهمهم الأكبر، وأصبحت معظم أوقاتهم ضائعة وبلا تخطيط مسبق مع ضياع أوقاتهم وأموالهم في عالم "الإنترنت"، فما هي أنجع الحلول لانتشالهم من غرقهم؛ "الرسالة" ناقشت الأمر مع المختصين في هذا المجال لمعرفة دوافعه وكيفية العلاج. أماني مرجوة بداية أوضح المستشار الاجتماعي الأستاذ فيصل المالكي أن إدمان الشباب على مواقع الإنترنت يعود لعدة أسباب لكن من أهمها سد الحاجات النفسية والعاطفية، فبعض الشباب يهرب إلى هذا العالم الافتراضي، ليجد بغيته؛ التي تحول معضلات الواقع الاقتصادية والمجتمعية دون تحقيقها. وقال: هناك بعض من يعانون حالات الاكتئاب، والشخصيات القلقة والخجولة؛ التي لا تجد لها صديقًا على أرض الواقع ممن حولها من الشباب، فتلجأ إلى الإنترنت، لعلها تجد من يؤنس وحدتها، ويخفف آلامها، كذلك الملل والرتابة في الحياة اليومية، ربما بسبب الروتين الوظيفي، وعدم التجديد في البرامج الحياتية، مما يدفع هؤلاء الشباب إلى البحث عن كل جديد، ومتابعة التحديثات. وأضاف المالكي: هناك عدة أسباب للإدمان أظهرتها الأبحاث المتعلقة بإدمان فئة الشباب على مشاهدة المواد الإباحية في الشبكة التي أصبحت تعج بهذه المواد، وتغري الشباب، وكذلك عشقهم للألعاب والقمار في الشبكة وهذا تعريف شامل يتضمن ألعاب القمار والمشتريات والاتجار بالأسهم المالية، وباقي الألعاب التي تسبب البيع، وخسارة الأموال الكثيرة في الإنترنت وكذلك الإدمان على التعارف ضمن الشبكة في غرف الشات، ومجموعات النقاش، مواقع التعارف أو برامج الرسائل الفورية، وبناء علاقات افتراضية؛ حيث يقوم كل نادٍ أو مجموعة بتبني قضية معينة أو هواية معينة، ويتم عمل مقالات وحوارات بين المشتركين، حول تلك القضية أو الهواية، وكذلك عشقهم لجمع المعلومات عبر الشبكة، أو لتجميع المعلومات وتخزينها وتحديثها وإن لم يتمكن من الاستفادة منها. ونوه المالكي أن هناك عدة أعراض لإقبال حديثي السن على الشبكة العنكبوتية وهي كثيرة، منها النفسية، والاجتماعية والعصبية، تناولها الباحثون والمتخصصون، بالرصد والبيان والتحليل، كان من أهمها التحمُّل والميل إلى زيادة ساعات استخدام الإنترنت؛ لإشباع الرغبة التي كانت تشبعها من قبل ساعات أقل، وكذلك المعاناة من أعراض نفسية وجسمية عند انقطاع الاتصال بالشبكة، ومنها التوتر النفسي الحركي، والقلق، مع الشعور بالرغبة في الدخول إليها عند تركها، وهناك سبب أخير قد كثر عند الجميع وهو إهمال المستخدم للحياة الاجتماعية، والالتزامات العائلية والوظيفية. الشيوع بين الأغلبية. أما المستشار النفسي الأستاذ علي بن محمد العلي فيقول: هناك دراسات أجريت مؤخرًا وأن بعض مستخدمي الإنترنت يقضون وقتًا طويلًا للغاية على الإنترنت، ومن ثم تتداعى حياتهم الشخصية أو المهنية. وتتواكب هذه النتيجة مع كثير من روايات الأحداث لأشخاص نصبت لهم فخوخ أثناء إجراء بعض الأنشطة عبر الإنترنت، وكذلك الروايات المتداولة في المناقشات التي تتم عبر الإنترنت أو في محيط الحياة الفعلية. وأصبح من الشائع أن تسمع عن شخص أصبح مفتونًا ببعض أنشطة الإنترنت لدرجة أنه قد أهمل مسؤولياته الشخصية المهمة. وأضاف العلي: من أهم هذه المشكلات النفسية التي تحدث الزيجات الفاشلة أو الوظائف الضائعة والرسوب المدرسي إضافة إلى بعض المشكلات الأخرى. ونوه العلي إلى أن إدمان الإنترنت ليس اضطرابًا رسميًا، ولا يستطيع العديد من اختصاصيي الصحة العقلية الجزم بإمكانية إدراجه ضمن الاضطرابات الفعلية، ومع ذلك يُمثل اضطرار بعض الناس لاستخدام الإنترنت مشكلة خطيرة لهم، وهناك طرقٌ قد تكون مفيدة في التخفيف من آثار هذه المشكلة. وطالب العلي الشباب الذين يريدون علاج أنفسهم إلى تجاوز أصعب الخطوات اللازمة للوصول إلى حياة متزنة عبر الإنترنت، ومساعدة أنفسهم من خلال تحديد أسباب ضمنية تحتاج إلى علاج، فإذا كانوا يعانون من الاكتئاب أو القلق مثلًا، فعليهم معالجة هذا في المقام الأول ومن ثم سيروا الفرق الناتج عن علاجهم المؤخر. وأضاف العلي قائلا: من يعتقد أنه يعاني من إدمان الإنترنت عليه أولًا تدعيم شبكة علاقاته التي توفر له الدعم، فكلما ازدادت علاقات الشاب في الحياة الفعلية، قلَّ احتياجه لاستخدام الإنترنت في التواصل الاجتماعي، مع التخفيف من استخدام الإنترنت في الفترة المقبلة بشكل كبير، المهم أن يكون الأمر تدريجيًا وخطوة بخطوة، مع احتفاظهم بسجل لمدة استخدامهم للإنترنت في الأغراض غير المرتبطة بالعمل، مع تحديد أهداف للأوقات التي يستخدموا فيها الإنترنت. ويمكن للشاب تحديد وقت معين لاستخدام الإنترنت، وجدولة استخدامه على أوقات محددة طوال اليوم، والالتزام بإيقاف تشغيل جهاز الكمبيوتر الخاص به في نفس الموعد كل ليلة. واختتم العلي بالقول: إن استطاع الشباب عمل كل تلك الخطوات عليه استبدال الإنترنت بأنشطة أخرى صحية، علمًا بأن الشاب إن أحس بالوحدة أو الملل فإن مقاومة رغبته في العودة لعالم الإنترنت تكون صعبة للغاية؛ ولهذا عليه أن يقوم بإعداد خطة لشغل أوقات فراغه وكذلك تناول الغداء مع أحد زملائه في العمل أو حضور دورة ما أو دعوة أحد أصدقائه لزيارته بالمنزل. الضروريات أولًا وبدوره يذكر الداعية الشيخ علي جابر حريصي بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) ويقول: وقت الإنسان مهم جدًا بالنسبة له ومن المكروه إضاعته في ما لا فائدة فيه، فمعظم الشباب حاليا وللأسف أصبحوا يدمنون استخدام الإنترنت، فنجدهم يقضون وقتهم بالساعات عليه، وكذلك البعض نجده يسهر معظم الليالي داخل صالات الإنترنت. وطالب الحريصي جميع الشباب بعدم اللجوء للجلوس أمام الإنترنت لفترات طويلة، وقال: أنصح من يريدون الإقلاع عن الإنترنت بالتوقف عن استخدامه لمدة يومين ثم رؤية حالهم ومدى الأوقات التي ضاعت عليهم بسببه، فمعظم أوقات هؤلاء تضيع في الجلوس والسهر دون إحساسهم بقيمة الوقت وضياعه. وناشد حريصي جميع أولياء الأمور باستخدام أسلوب النصح والإرشاد مع أولادهم وعدم اللجوء للقوة والشدة، وقال: القسوة لن تؤثر عليهم، بل ستزيدهم مكابرة وغرورًا ولا بد أن يكون القرار حكيمًا وبنظرة ثاقبة وبعيدة كي نستطيع تحقيق الأماني المرجوة.