هناك حقيقة لا يمكننا تجاهلها وهي أنه لا يستطيع أحدنا أن يعيش بمعزل عن إخوانه. ولا يمكن أن نعيش دون أن نحتاج بعضنا البعض. فحياتنا مشتركة، ومصالحنا مترابطة.. وهناك حقيقة أخرى هي: أن المرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه. وحقيقة ثالثة.. أكبر أهمية.. وأعظم تأثيرًا.. هي أن الجنة لتساق إلى من سعى لأخيه المؤمن في قضاء حوائجه ليصلح شأنه على يديه.. كما قال سيّدنا عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. فديننا دين تكافل وتعاون وتضامن.. يدعو إلى البذل والعطاء في سبيل إدخال السرور إلى قلوب الآخرين، ومساعدتهم. يقول المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه ديْنًا، أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد النبوي شهرًا.. ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام..» حديث صحيح والعمل التطوعي بوابة للدخول إلى تلك الخيرات العظيمة التي تعود بنفعها على المقدم عليها أضعاف ما تعود على المبذول لهم فيها. فهو مؤشر على الجانب الإنساني في المجتمع.. يعمّق روح التكامل بين الناس ويشجع على التعاون وتنمية روح الجماعة. وهي قيم حرص عليها ديننا. لذا كان ترسيخها وتأصيلها في النفوس واجبًا.. وليس نوعًا من الترف أو ضربًا من ضروب قضاء وقت الفراغ. أو تسلية العاطلين. فهو واجب ديني ومجتمعي تفرضه طبيعة الإنسان الذي لا يمكنه أن يعيش في منأى عن الآخرين، ولا يمكنه الاستغناء عنهم. لذا ينبغي أن نبدأ في بذر بذور هذا النوع من العمل منذ الصغر. بتربية النشء على غرس قيم العطاء والإيثار وروح التطوّع. وتأصيل تلك المفاهيم في إطار رسم صورة واضحة لمفهوم العمل التطوعي من خلال إدراجه في مناهج التعليم بطريقة ذكية وجميلة وقوالب تطبيقية عملية بعيدًا عن الأساليب الوعظية والإرشادية والنصحية التي تملأ الحجرات المدرسية. فالعمل التطوعي عمل ميداني.. وليس مادة خطابية.. نملأها بالنصوص الوعظية والعبارات النصحية التي غالبًا لا تؤتي ثمارها. إننا بحاجة لأن نخطط من أجل أن نخرج أجيالًا تؤمن بهذا العمل المعطاء. ولا بد أن نعمل من أجل أن يكون هناك وعي وفهم وإدراك لماهية هذا النوع من العمل الذي يهدف إلى إبراز الوجه الإنساني للعلاقات والأعمال. وترسيخ البذل والعطاء على أسس واعية.. وفق أهداف واضحة. وهنا يأتي دور الإعلام والصحافة والتأثير بقوّة الإعلان أيضًا. مع وجود تشجيع للحركات التطوعية والأعمال الجميلة التي تخرج من أفرادها.. بتسليط الأضواء الإعلامية عليها.. تشجيعًا لها وتحميسًا لغيرها. ولا بد عندما نتحدّث عن العمل التطوّعي ألا نكون مثاليين وغير واقعيين.. وأن نضعه في قوالب مرنة تجعل إمكانية التطبيق والتفاعل أمرًا مؤكّدًا. فلا ينبغي أن يغيب عنا أننا مجتمع يعتمد على من يخدمه في البيت بكل شيء حتى في شربة الماء أو حمل حقيبة الطالب إلى السيارة أو الحجرة الدراسية!! وبناء على هذا علينا أن نعترف أن إيجاد روح خدمة الآخرين عند من لا يخدم نفسه ليس أمرًا سهلًا. لكنه ليس مستحيلًا. بيد أنه يحتاج جهدًا أكبر وتوعية أكثر.. وخططًا أفضل. كما لا بد أن يكون هناك دور تكريمي من قبل الإمارة والمحافظة.. والبلديات.. ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الإسلامية ورجال الأعمال والمؤسسات الصحافية والإعلامية لرفع معنويات المتطوّعين. فهذا أقلّ ما يقدّم لهم ولجهودهم التي يبذلونها. بغير ذلك وبغير التخطيط الجيد لذلك.. لا يمكننا أن نحقّق ما نصبو إليه من أعمال تطوّعية.