كتبت الأحد الماضي مقالًا بعنوان (السعودة: أنصح بما هو آت!)، قلّلت فيه من هول الأرقام التي تتردد دائما عن الفرص الوظيفية التي يشغلها وافدون، ويمكن شغلها بمواطنين ينتظرون فرصا للعمل على أحرّ من الجمر. وهاتفني على إثر المقال متفضلا مشكورا أستاذي الكبير معالي الدكتور مدني علاقي موجها وموضحا أن المقال يصدر إشارات خاطئة، كونه يقلّل من حجم مشكلة البطالة ويظهرها هينة لينة لا خوف منها ولا قلق. بداية أضاعف الشكر مرات عديدة لتوضيح وجهة نظر جديرة فعلا بالاستدراك والتنبيه حتى لا يختلط الأمر، وحتى لا أبدو متناقضا مع قلمي المعوج، إذ طالما كتبت في مقالات عديدة سابقة (كما كتب غيري) محذرا من خطورة الوضع (البطالي) لشبابنا وفتياتنا، وأنها أزمة تشتد وإشكالية تستفحل، وأن الحلول الراهنة لم تقدم إلا القليل جدا بالرغم من تعددها. وذكر لي الدكتور أرقاما موثقة مفزعة، ففي القطاع الخاص قرابة 5 ملايين عامل لا تزيد نسبة السعوديين فيهم على 11%. ومن هذه النسبة المتواضعة لا تزيد نسبة الجامعيين (السعوديين) على 16%، أي أن معظم الوظائف التي يتيحها القطاع الخاص للمواطنين متواضعة وذات مردود مالي بسيط. وأما عدد العاطلين (الوطنيين)، فبلغ مع نهاية العام الهجري المنصرم قرابة 900 ألف عاطل وعاطلة، وقريبًا سيصل سقف المليون مع نهاية العام الدراسي الحالي. وأما الأشد غرابة فهو تزايد أعداد الوافدين النظاميين باستمرار منذ عام 2004م إلى عام 2010م بنسبة 40%. وأما غير النظاميين فقصة أخرى لها أول وليس لها آخر. السؤال: كيف يجد كل هؤلاء أعمالًا في بلادنا في حين لا يجد المواطن (خاصة الشاب) عملا يقيم بها أوده، ويكف به عن أسرته نفقته في ظل غلاء مستعر وفواتير مرهقة ومستقبل غامض؟ الملايين الثمانية من الوظائف المشغولة بوافدين صعب شغل معظمها بمواطنين، إذ كل الذي نحتاجه هو عشرها كما ذكرت في مقالتي السابقة، ويا ليتها تكون أفضل عشرها لتحل لنا أزمة ذات أبعاد خطرة، إن لم نتدارك الأمر بجدية بالغة، فهي في نظري جديرة بامتياز بأن تكون (المهمة الوطنية الأولى).