عندما التحقت بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أستاذًا مساعدًا بها أواخر عام 1426ه لاحظت حيرة الطلبة والطالبات في البحث عن موضوعات للدرس الأدبي، وتزداد الحيرة عندما ترفض بعض الموضوعات التي مدارها شخصية أدبية ما زالت على قيد الحياة؛ بحجة أن التجربة الأدبية لم تكتمل، وربما قد تتغير آراؤه وأفكاره، وقد يُجامل أثناء تناول أدبه، ومن هنا تطرح أحيانًا موضوعات عن أدباء متوسطي الموهبة، مع محاولات حثيثة من لدن الباحثين والباحثات للظفر بأي أديب متوفى لدراسته!! وكنت في داخلي أتعجب من نسيان حامد دمنهوري المتوفى عام 1385ه مع شهرته الواسعة وصيته المتجاوز لحدود الوطن، وأتعجب أكثر من اتفاق الجامعات السعودية بأجمعها على النسيان، بما في ذلك جامعة أم القرى بمكةالمكرمة، وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة المجاورتان لمسقط رأسه. ويجيء العام 1428ه وتسند إلى كلية اللغة العربية بالرياض حيث أعمل الإرشاد العلمي للطالبة موضي بنت عبدالله الخلف للتخطيط معها لأطروحة الماجستير، وهي مرحلة تسبق الإشراف، وتولد مفاجأة لم أحسب لها حسابًا إذ استشارتني دون أن تعلم شيئًا عن اهتمامي الكبير بحامد دمنهوري وأدبه في أن يكون دمنهوري موضوع أطروحتها في الماجستير، فغمرتني الفرحة، وداخلني السرور، وتضاعف عندما وقفت على قدراتها البحثية الجيدة وصبرها وسعة اطلاعها. وما هي إلا أشهر معدودة والخطة متكاملة وجاهزة للعرض على قسم الأدب الذي لم يتردد في الموافقة وأيّد الموضوع بالإجماع، وسجل الموضوع بحمد الله، وأنجزت الطالبة الرسالة بإشرافي، وقطفنا الثمار الأسبوع الماضي عندما نوقشت رسالتها في الأول من شهر صفر من عام 1432ه، وحصلت على تقدير ممتاز من خلال لجنة مكونة من أستاذين قديرين، وهما: الدكتور عبدالرحمن الوهّابي، والدكتور إبراهيم الشتوي. وحامد دمنهوري (13401385ه) رحمه الله من الشخصيات الفاعلة المعطاءة في المملكة العربية السعودية: تربويًا، ومسؤولًا، وكاتبًا، وروائيًا بارزًا، وكنت منذ أن تعرفت على أدبه في الجامعة معجبًا به وبشخصيته، وقرأت روايتيه: (ثمن التضحية ومرت الأيام) في وقت مبكر، وشعرت بأن الإعجاب يجب أن يترجم إلى فعل ملموس، فظهرت فكرة جمع إنتاجه الأدبي المتفرق في كتاب، ويسّر الله عز وجل تحقيق هذه الأمنية عندما جمعتُ مقالاته وشعره وقصصه في كتاب عنوانه “ابن الثقافة وأبو الرواية..حامد دمنهوري”، وتفضل النادي الأدبي بالرياض بطباعته العام الماضي 1431ه في نحو 250صفحة، وسيكون الكتاب كما علمت من أصدقائي في ناديي: مكةوالرياض متاحًا للجمهور في ليلة التكريم، وهذه بادرة تذكر فتشكر لرئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور عبدالله الوشمي وزملائه أعضاء مجلس الإدارة الذين بادروا بتزويد نادي مكة الأدبي الثقافي بكمية مناسبة لإهدائها لمحبي حامد دمنهوري في ليلة عرسه الثقافي! وهي بادرة ليست بغريبة على نادي الرياض الأدبي فلقد أعاد 1400ه طباعة روايته ثمن التضحية، وهي الطبعة المتوافرة في السنوات الماضية بين أيدي الباحثين بعد أن عز وجود الطبعة الأولى الصادرة عام 1378ه/1959م. ويأتي نادي مكة الأدبي الثقافي هذا العام بمجموعة من المفاجآت السارة في سياق تكريم حامد دمنهوري، وفي المقدمة إعادة طباعة روايته ثمن التضحية في طبعة ثالثة، وإعادة طباعة روايته “ومرت الأيام” في طبعة ثانية بعد أن مضى على طباعتها نحو نصف قرن، وهذه الخطوة التي تجيء بالتعاون مع أسرة حامد دمنهوري ستكون أهم عمل يقدم للباحثين والدارسين الذين يبحثون عن الروايتين ولا يجدونها بعد أن مضت سنوات طويلة على طباعتهما. ونادي مكة الأدبي الثقافي حين يعتزم هذه الليلة تكريم واحد من رموزنا المهمة بتخطيط مدروس يتضمن ندوة للتعريف بأدبه، وطباعة إنتاجه، والاحتفاء به، ولفت الانتباه إلى أدبه فإنه يقدم خدمة جلىلة للحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية؛ ولعل النادي يبادر أيضًا فيطبع رسالة موضي الخلف عنه، ولعله أيضًا يعلن عن جائزة باسم حامد دمنهوري تخصّص للأدباء الشباب، ويتم تمويلها من رجال الأعمال، وبخاصة من رجال مكة الكرماء الذين عرف عنهم البذل بسخاء وأريحية. وأخيرًا: أحيي نادي مكة الأدبي الثقافي على هذا الإنجاز الذي يأتي في سياق إنصاف واحد من أهم الأدباء السعوديين المؤثرين في الحركة الأدبية، وأبارك لمنسوبي النادي على نجاحهم في التخطيط لهذه الليلة الاحتفائية بحامد دمنهوري، وفي المقدمة معالي رئيس مجلس إدارة النادي الدكتور سهيل بن حسن قاضي، وأعضاء مجلس الإدارة بلا استثناء، وإلى المزيد من هذه الليالي الاحتفائية برموز الوطن. --------- (*) أستاذ الأدب المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية [email protected]