بمعجزة نجا الأب من جلطة سببها البدانة ، هذا ما أكده الطبيب على مسامع الابنة الوحيدة وبقي يختمر في ذهنها حتى أصيبت ب ( فوبيا البدانة ) فحقدت على الطعام الذي قد يقتل أباها وشعرت أن شبح الموت ربما يكون مختبئا في أي لقمة ستتناولها ، فأضربت عن الطعام حتى صارت هيكلا عظميا يرتدي معطفا ضيقا من الجلد ، وكان الأب يرى تدهور ابنته بسبب الجوع فأصيب ب( فوبيا ) النحافة ، استمر وزنه في الازدياد ، ما جعل القلق يستبد بالاثنين فالأب مهموم بنحافة ابنته الشديدة و التي قد تقضي عليها ، و البنت مهمومة ببدانة والدها التي قد تودي بحياته ، كانت اللحظات تمر عليهما ببطء الحلزونات و ثقل الشاحنات ، و أصبحت الحياة لا تطاق فكل يوم يزداد الأب بدانة و البنت تزداد ضآلة و القلق يزداد ضراوة ، و بعد استشارات و تفكير عميق توصل الأب البدين وابنته النحيفة إلى اتفاق درامي طريف ، يقضي بأن يجهد الأب لإنقاص وزنه وتجهد البنت لزيادة وزنها بنفس المعدل ليخف قلق الاثنين المتبادل ، فاقتنى الأب جهاز سير رياضيا و وضعه في المطبخ بجانب طاولة الطعام حيث الطبق المعد لابنته ، الأب يجري و الجهاز يحسب السعرات الحرارية المحترقة و البنت تتناول طعاما بقدر تلك السعرات ، أحببت هذه القصة الإنسانية كثيرا ، لأنها تثبت جمال التوازن و تكامل العلاقات وتتسع كثيرا لتنطبق على العديد من المعادلات الثنائية المشابهة ، التي لو اتفقت على التقايض على نحو تبادلي يحقق النفع للطرفين ستكون الحياة أكثر جمالا ، فإن إذابة الفوارق بين الألوان الحادة التي تزعج رؤيتها النظر جنبا إلى جنب يحقق الجمال ، وهو الدرس الذي يشرحه قوس المطر المتدرج بألوان الطيف المتداخلة بانسجام إبداعي ، و لنحاول تطبيق هذه الفكرة على الطبقية بين الأغنياء و الفقراء ، بمناسبة حضور 33 مليارديراً سعودياً في لائحة أغنى 50 عربياً ، في وقت تزداد فيه معدلات البطالة ، وتقفل الجامعات أبوابها أمام الشباب و يكمل التجار ما نقص ويشعلون حريقا عريضا في الأسعار لا يبقي ولا يذر من السلع و المؤن و العقارات بما يؤكد أن استمرار الوضع سيجعل معدلات الفقر تتنامى و تربك مشاريع التنمية وأولويات البلد. فكرة التقايض التي اتفق عليها الأب البدين وابنته النحيفة في سبيل الوصول لحياة صحية سعيدة خالية من القلق ، قابلة للتطبيق وبالإمكان وضع عدد كبير من خيارات التنفيذ التي تعود على الطرفين بالفائدة ، لكن أمرا مهما كان سببا أساسيا في اتفاق الأب وابنته ، وهو قلق الطرفين على بعضهما ، فإن الشرط الكبير أن يقلق الأغنياء على مصير الفقراء بحيث يفتتحون مصانع و معامل ومعاهد لتأهيل الفقراء بتخصصات يحتاجها سوق العمل الذي يديرونه هم بكل تأكيد وفي ذات الوقت سيكون قلق الفقراء على حفظ أموال الأغنياء و تنمية مؤسساتهم ضروريا لاستمرارهم في العمل و دعم الأغنياء لهم . [email protected]