في الوقت الذي تشهد فيه صناعة السينما في جميع أقطار العالم اهتمامًا متعاظمًا ودعمًا كبيرًا من القطاع الحكومي والخاص، ظلت السينما السعودية تكابد من أجل تحقيق حضورها في هذا المشهد بإمكانات أقل ما توصف بها شحيحة جدًّا، وبرغم هذا الدعم الشحيح؛ إلا أن السينما السعودية -مع ظهورها المتأخر- في المحافل والمهرجانات العربية وجدت لها موطئ قدم، مما يعزز ضرورة الاهتمام بهذا الجانب الحيوي والمهم، الذي تعدى فركة الترفيه والتسلية، إلى طرح القضايا، فالسينما أصبحت عنصرًا مهمًا من عناصر التأثير الإعلامي، وتغيير المفاهيم. «الأربعاء» وضع قضية السينما السعودية على طاولة النقاش، حيث أشار عدد من المهتمين بالسينما السعودية إلى أن غياب الدعم يمثل المعضلة الأساسية التي تواجه السينما السعودية، يضاف إلى ذلك خوف رجال الأعمال من دخول التجربة في هذا المجال، لهامش المغامرة الكبير الذي يحوطه، في ظل غياب دور العرض التي تضمن لهم الربح من خلال العرض، بجانب غياب الأكاديميات المنوط بها تأهيل الكوادر المناسبة بطرق علمية في مجال السينما من كُتاب سيناريو ومعدين ومخرجين ومصورين وممثلين، وغير ذلك مما تتطلبه السينما، مشيرين كذلك إلى أن الوضع الحالي جعل المنفذ الوحيد للسينما السعودية مفتوحًا فقط عبر نافذة المهرجانات السينمائية، التي تحتضنها دولة الإمارات العربية المتحدة تحديدًا ممثلة في مهرجانات دبي والخليج والذي يتفرع منه وكذلك مهرجان الشرق الأوسط في أبو ظبي وغيرها من المهرجانات السينمائية الخليجية بوصفها المنفذ الوحيد المتاح أمام السينمائية السعودية. خوف الداعمين استهلالًا يقول الممثل والمخرج السينمائي أحمد الحسن: هناك تجارب داعمة للشأن السينمائي السعودي رغم تواضعها وتواضع الداعم الرئيسي للسينما السعودية بشكل عام؛ إلا أن هذا لا يخلو من دعم حتى وإن كان لا يعد شيئًا مقارنة بالدول الأخرى، فشركة روتانا على سبيل المثال استطاعت تقديم فيلمين سعوديين تمثلا في “كيف الحال”، و “مناحي”، إضافة إلى بعض التجارب والجهود الشخصية كفيلم “وادي الأرواح” على سبيل المثال، الذي قدم في مجمع الدانة في البحرين. ولكن ينبغي أن نعترف أن الدعم الفني والتجاري للأفلام السعودية لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فالداعمون لدينا ينتظرون من يأتيهم لعمل تجربة، ومن خلال هذه التجربة قد يقتنعون في دعم العمل أم لا. ويختم الحسن بالإشارة إلى تجربة فيلم مناحي وما صحب دعمها بقوله: رغم تواضع دعم العمل إلا أن الممثل فايز المالكي استطاع إقناع روتانا بدعم مناحي بعد أن قام بكل شيء ليقدمه لهم كي يسوقوه ويدعموه فيما لم تدعم روتانا إلا فيلم هشام لسبب واحد كونه نجم ستار أكاديمي، وتكرر ما قام به فايز المالكي لدى الممثل الكويتي طارق العلي حيث قام بإنتاج عمله في بانكوك وقدمه لروتانا فما كان منها إلا أن دعمت عمله. الهاجس السينمائي المخرج السينمائي السعودي فيصل الحربي أشار إلى أن موافقة معالي الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة وزير الثقافة والإعلام على تبني ودعم السينما بتسخير الكثير من الإمكانات والتسهيلات الإعلامية لدعمها يعد أمرًا مشجعًا للغاية للمخرجين السينمائيين السعوديين، ولعل أبرز ما يمكن الاستشهاد به في هذا الجانب هو موافقة الوزارة على دعم السينما إعلاميًّا من خلال الموافقة على برنامج سينما شبابية في القناة الثقافية السعودية. ويختتم الحربي حديثه بالإشارة إلى فيلمه الروائي القصير “الكرة السحرية / Magic Ball” قائلًا: كانت مشاركتنا في فيلم ماجيك بول مشاركة متواضعة جدًّا؛ إذ إن طاقم العمل والذي شاركني في الفيلم كانوا مجموعة من الشباب المتطوعين فقط، ودافع المشاركة لديهم لم يتأت إلا لرغبتهم وحبهم في السينما. خوف رجال الأعمال ويعزو الممثل السينمائي السعودي هشام الغامدي تخوف رجال الأعمال من خوض تجربة دعم السينما لهامش المغامرة الكبير في هذا المجال، حيث يقول: رجال الأعمال يتخوفون من الاستثمار في مجال السينما لأن الأرض التي يتم عليها العمل السينمائي غير صلبة وغير مشجعة، كما أن عدم وجود دور سينما حقيقية يعد سببًا رئيسيًا في إحجامهم؛ برغم أنهم لو خاضوا هذه التجربة ستعود عليهم بالنفع إعلاميًّا وماديًا، فالفيلم يتنقل من مكان إلى آخر من المهرجانات السينمائية ويكون اسمهم مصاحبًا للفيلم السينمائي السعودي. وحول تجربته السينمائية يضيف الغامدي: سبق أن شاركت في فيلم فرح وتحملت تبعات مشاركتي ماليًا، حيث تحملت جميع تكاليف الإنتاج بما فيها مصاريف الاجتماعات التحضيرية له، لأنني كغيري نرغب في إنتاج عمل سينمائي جيد رغم تواضع إمكانياتنا، واستطعنا أن نقدم شيئًا يليق بالمشاركات في المهرجانات، والتي سيكون مهرجان مسرح الريف في البحرين خلال أقل من شهرين تقريبا حاضنا للفيلم الذي أنتجته بعنوان “غدير الصبايا»، وينبغي أن أشير هنا إلى أن صناعة أي فيلم تعتمد على أمرين يتمثلان في الدعم المادي، إضافة إلى وجود البيئة الملائمة للعمل، ففيلم مناحي استطاعت روتانا أن تدعمه واستطاع استقطاب الجمهور ولكن كون المخرج غير سعودي فأنا أعتقد أن العمل لم يصل أو لم يخدم بشكل جيد. ألف باء السينما المخرج السينمائي السعودي عبدالله الأحمد أرجع السبب إلى غياب الداعم والراعي الرئيس للأفلام السعودية هو عدم وجود صناعة حقيقية مشجعة له محليًا مضيفا بالقول: ليس لدينا شركات إنتاج سينمائي نستطيع أن نقول إنها تستطيع أن تموّل أفلامًا أو تنتج أفلامًا قصيرة أو طويلة بشكل عام تشارك في مهرجانات وتعرض في التلفزيون، إضافة إلى أن وزارة الثقافة والإعلام لم تتبن إلى الآن صناعة الأفلام بشكل مباشر كما هو واقع الحال في دول أوروبا على سبيل المثال؛ فلو قامت الوزارة بإنتاج فيلم أو فيلمين في السنة الواحدة للمشاركة بها في المهرجانات وعرضها في دور عرض سينما لكان ذلك عملًا مقدرًا، وفي ظل غياب هذا الدور اضطر صانع الفيلم في السعودية للاعتماد على نفسه بحيث يدفع تكاليفها ويقوم بتصويرها بإمكانات بسيطة جدًّا، مما يجعله تحت طائلة التوقعات إما أن يقبل فيلمه في مهرجان سينمائي خليجي أو لا. ويتابع الأحمد حديثه مشخصًا أدواء السينما السعودية: كما ينبغي أن أشير هنا إلى أننا في السعودية لا توجد لدينا دور عرض سينمائية تكون مروّجة للصناعة السينمائية بشكل عام وتوفر بيئة سينمائية جاذبة للرعاة والداعمين مثلما هو الحال في الإمارات أو البحرين أو مصر أو غيرها، فلو توفرت لنا دور عرض فأنا على ثقة أنه ستكون لدينا شركات إنتاج سينمائي فاعلة، وسنشاهد الأفلام السعودية في سوق السينما في البحرين وغيرها، كل ذلك سيكون حاضرًا في المشهد بعد أن تتوفر لدينا ألف باء الصناعة السينمائية وهي الأهم والمفقود عندنا، كما لا بد من وجود الأكاديميات والمعاهد المتخصصة في الإخراج السينمائي والتمثيل والتصوير وغيرها، إذ لا يوجد في أي جامعة سعودية قسم مسرح، والوحيد الذي كان لدينا في جامعة الملك سعود أغلق حاليًا. جهود تغالب الظروف رغم تواضع إمكانات صناعة الأفلام السعودية، ورغم قلة الدعم وغياب الداعم بحسب شكوى المخرجين والمهتمين بالسينما السعودية، إلا أن المخرجين استطاعوا الظهور في كثير من المهرجان، واستطاعت بعض الكوادر السينمائية السعودية أن تنتج بعض الأفلام التي وجدت مكانها في هذه المهرجانات، وبعض ما زال قيد العمل عليه.. وقد وقف «الأربعاء» على بعض هذه التجارب. الكرة السحرية حيث يعكف المخرج السينمائي السعودي فيصل خالد الحربي على إنتاج فيلمه الروائي القصير “الكرة السحرية / Magic Ball” والذي استغرقت المدة المبدئية لتصويره 30 دقيقة، ويشير الحربي إلى أن فيلمه يناقش الواقع المهزوم الذي تعيشه أمتنا العربية والتراتبات الناتجة عن الغزو الفكري، مما يستدعي بطل الفيلم فيه إلى كسر قاعدة الجمود الذي ينتابه وهو ما يستدعيه للسفر إلى مكان ما خارج الوطن العربي مكان يتم فيه استيعاب ما لديه من إمكانات وإبداع. والعمل من تأليف بندر باجبع، وتصوير آنجي مكي، فيما يشغل محمد العثمان فيه دور مساعد مخرج الفيلم. ويشارك في الفيلم نخبة من الفنانين الشباب ممثلين في: عبدالعزيز القدير، ومحمد الشريف، وبدر باجبع، وفلاح حلوني، والإعلامية حنين بغدادي. غدير الصبايا أما الممثل السينمائي السعودي هشام الغامدي فيعكف هو الآخر حاليا على تأليف فيلم سينمائي قصير لم تتحدد المدة فيه اختير له عنوان «غدير الصبايا»، وهي قصة واقعية نشرت في الصحف عن العائلة التي غرقت في ذلك الغدير وتدور فكرته حول عائلتين خرجتا للتنزه بالقرب من غدير ماء ليقوم أحد الأطفال باللهو حول الغدير فيغرق بعدها، مما يجعل النص يسلط على إسقاطات من خلال إيصال بعض الرسائل التوجيهية، لافتا إلى أن النص في طور الإعداد وسيرفع إلى الوزارة لاحقًا للنظر في إجازته. داعم إعلامي ويمثل البرنامج الأسبوعي «سينما شبابية» المقدم على القناة الثقافية من إعداد وتقديم محمد الحمادي وإخراج محمد مريط أحد مظاهر الاهتمام بالسينما السعودية، ودعم الشباب المتحمس لها، وسيستضيف البرنامج لاحقًا خلال الأسابيع المقبلة مجموعة من المخرجين والمهتمين بالشأن السينمائي السعودي لدعم السينما وتقديمها على طبق من ذهب للرعاة والمستثمرين في الشأن السينمائي؛ حيث سيحل الفنان والممثل السينمائي السعودي هشام الغامدي ضيفا ضمن ضيوف البرنامج في حلقاته المسجلة، وسيدور النقاش حول تقييم الأفلام السعودية والطموحات التي يتطلع إليها هؤلاء المخرجون، إضافة إلى مناقشة ما يتعرض له المخرج السينمائي السعودي من صعوبات، حيث لفت الغامدي إلى أن الأفلام السعودية تشارك في مهرجانات خارجيًا وتحصد الجوائز مما يدلل على نجاح صناعة السينما السعودية، إذ تزخر السعودية بعدد وافر من المواهب الشابة المبدعة دون وجود فرص بحسب إشارة الغامدي.