ذكرت “المدينة” (27 ديسمبر) أن وزارة الشؤون الاجتماعية قد ضبطت مجموعة من المستفيدين من مساعدات الضمان الاجتماعي، الذين زعموا -عبر البيانات التي قدموها- أنهم مستحقون لها، فهذا زوّر تقريرًا طبيًّا يثبت عجزه، وآخر لديه فتق يمنعه من العمل، وثالث مصاب باكتئاب، ورابع عاجز بسبب خشونة واحتكاك بالعمود الفقري، وخامس يعاني من شبه عمى في عينه، والقائمة تطول، والتزوير شغّال... هؤلاء عيّنة صغيرة من عينة كبيرة، وحالة مستفحلة! وأمثال هؤلاء سمك سردين بالنسبة للقروش الضخمة جدًّا ذات الأسنان التي تفتك، والأمعاء التي تطحن، والحناجر التي تبلع. هؤلاء كلهم يجتمعون على مبدأ طبقته نماذج سبقتهم، إنه مبدأ شيوع المال العام، فهو في نظرهم (إمّا لك، أو لأخيك، أو للذئب)، فنهبه حلال، والولوغ فيه ذكاء وفطنة.!! وأهم ما يميّز هذه الفئة أو تلك هو قناعتها أن (لا حدود) لهذا الفعل، بل هو كالماء المالح، كلّما ازددت منه شربًا ازددت إليه عطشًا. وأمّا الأمثلة فكثيرة يعلمها الكثير، ولا يجهلها إلاّ القليل، وهي عادة ما تكون مدار النقاش في هذه المناسبة أو تلك. نسميها اصطلاحًا (فساد)، وهو فساد عريض، ونسميها (سرقات بالهبل) إذا لعبت برؤوسنا مصطلحات الشفافية والوضوح، وقول الحق المبين. إن كان هؤلاء قد سرقوا (ملاليم) نهاية كل شهر، (وهي ملاليم سُحت وبهتان)، فلأن شعورًا قد تملّكهم بأن غيرهم يسرق (ملايين) كل يوم، وهي (الأخرى ملايين سُحت وبهتان). هكذا هي الدورة الاحتيالية الطويلة: نموذج أول يقتدى به نموذج ثانٍ، ثم ثالث، ثم تتراكم النماذج، وتتكاثر الأفكار، وتتوالد الخطط الجهنمية، حتى تصبح الأمانة عنصرًا نادرًا، والاستقامة شيئًا من التاريخ إلاّ ما رحم ربي. مشكلتنا أن البعض لا يزال يتوهم أن خصوصيتنا الموقرة هي حمانا الكبير، وهي سياجنا الحصين، وكأننا بدع من سنة الله في كونه، وفي خلقه، وفي شؤون الحياة كلها، دعونا لوهلة نتوقف عن تناول (حبوب) الخصوصية، فهي كالأفيون يبيع لصاحبه الشعور بالوهم، والزيف، والخرافة.