من واجبي وقد قرأتُ ما كتبته بعضُ الأقلام التي تكتبُ بجهلٍ وتعجل مع سوء تقدير للأمور، وذلك حول» مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأخيرة بمكةَ حرسها الله»وإن كان هذا التقول ليس جديداً! ولكن من حق القارئ الكريم أن يتعرّف على الصورة من الداخل. وقد شرفتُ في هذه الدورةِ والتي قبلها بالمشاركةِ في هذا المجمع الفقهي العالمي الذي يضمُ في عضويته كبار العلماء والمُفتين ممّن شابت رؤوسُهم في مدارسة العلم وتعليمه وتوجيه الأمة (ومن مختلف أقطار العالم الإسلامي وغيره) وممن صاروا رموزاً علميةً لا يتنازعُ في علميتهم اثنان وكذا يضم نخبةً من الباحثين الذين يستكتبهم المجمع للكتابة العميقة والدقيقة في موضوعاته. ولا يُناقش المجمع في دوراته في الغالب إلا مسائل النوازل المعاصرة لاسيما تلك القضايا التي تردُ إليه من مجتمعات إسلاميةٍ تعيشُ في بلاد غير إسلامية ويجدُ لها من القضايا ما يحتاج لبيان شرعي. ولا يكتمل البحث والنقاش ولا يصدر القرار إلا بعد أن يستمعَ العلماء للمختصين في القضية محل النظر من (أطباء أو اقتصاديين ونحوهم) حتى يحصل التصور الدقيق للمسألة ويتحقق مناطُها، وبناءً على هذا التصور العلمي يبدأ النقاش الشرعي. وعندما تحضر هذه الجلسات ترى وتسمع وتعلم كيف يكون النقاش العلمي وكيف يكون الحوارُ في عرف العلماء الكبار! وذلك كلُّهُ من خلال منهجيةٍ علميةٍ واضحة لا زيغَ فيها ولا اختلال؛ أُسُها ومنبُعها نصوصُ الوحيين وقواعد الشرع ومقاصده، مع التقدير الكامل والاستحضار العجيب لأقوال العلماء والفقهاء من سلفنا الصالح، فلا يتحدثُ أحدٌ إلا بعلم ولا يجادلُ أو يناقش إلا بأدب وتقدير، والجميعُ همهُ وغايتهُ فيما نحسب بيان حكم الشرع كما يعتقدهُ دون مواربةٍ أو مجاملة! والمرجع عند التنازع قول الله ورسوله صلواتُ الله وسلامه عليه. وقد ناقشَ المجمعُ في هذه الدورة العشرين برئاسة رئيسِه سماحة المفتي ونائبه معالي الشيخ أ.د. عبدالله التركي وأمانة أمينه أ.د صالح المرزوقي موضوعات غاية في الأهمية من أهمها: مناقشة صور التلاعب في سوق الأوراق المالية(البورصة) والأحكام المتعلقة بالتوأم السيامي، وإنتاج أفلام تُجسِّد الأنبياء والصحابة.. إلى غير ذلك من نوازل معاصرة، ومع ذلك الجهد العلمي والبحثي الذي يستغرق جلسات متواصلة ولمدةٍ خمسة أيام متتابعة ولمدة لا تقل عن خمس ساعات يومياً! مع ذلك كله تجد من وسائل الإعلام من لا يكون موقفه من هذا الجهد لكبار وصفوة فقهاء الأمة إلا السخرية والنقد غير الموضوعي! ولكنها سنةُ الله الماضية فإن العلماء ماضون لتوجيه الأمةِ وبيان حكم الله والناس مقبلون ولله الحمد عليهم لا يعدلون بهم أحداً مهما كثرُ الافتراء وقلّ الإنصاف. [email protected]