· يطالبني بعض القرّاء أحياناً في رسائلهم ألاّ أكفّ عن الكتابة عن مشكلات البطالة ومخرجات التعليم الضعيفة المستوى وإهمال بعض موظفي الدوائر الحكوميّة لأداء عملهم على وجه مرضٍ.. والأخطاء الطبيّة ومظاهر العنف والشذوذ التي تتسع دوائر انتشارها حتى باتت دوّامات تهدّد مجتمعنا إلى غير ذلك من القضايا التي كتبت عنها فعلاً العديد من المقالات..على مدار سنوات الكتابة في حياتي.. · ويعلّق البعض على مقالاتي بأنها تدعو إلى التفاؤل في زمن لا تفاؤل فيه ولا أمل ويقولون: إن الواقع قاسٍ ومؤلم والكاتب ينبغي أن يظل يتحدّث عن هذا الواقع غير المرضي لعلّه يسهم في تغيره بلفت نظر المسؤولين .. · ولا أدري كيف يظنّ البعض أن التغيير يكون بالتركيز على الجوانب السلبية والمظلمة؟ · كيف تصنع التغيير نفس امتلأت بالألم والسخط والنقمة؟ إذا كنا ننشد تغييراً مشرقاً إيجابيّاً.. فبالتأكيد لن تكون تلك الطريق إليه..أما إن كنّا ننشد تغييراً من سيئ إلى أسوأ فبالتأكيد سيكون طريقها إشباع النفوس بالشعور بالسخط والألم والرثاء لحالها والنقمة على كل من حولها..وجعل الحياة أمامها ينطبق عليها قول: طريقك مسدود يا ولدي مسدود!! · قد يميل بعض الكتّاب إلى غمس قلمه بحبر سوداويّة الواقع..فيكتب عن الواقع ومشكلات المجتمع وكأنه يزيد إلى سوئها سوءاً آخر.. ويقنع القرّاء أن منتهى الواقعيّة هي أن (أنكّد) عليك عيشتك كل صباح بمقال يقدّم لك (كوكتيلا) مزيجاً خاصّاً من النكد والسخط والانتقاد والاعتراض والنقمة والرفض ..فيظن القارئ أن منتهى إحساس الكاتب بمعاناة أبناء المجتمع قد برع في تجسيدها في مقال يزيد الطين بلّة!! · نعم نحن نريد واقعيّة حقيقيّة غير مزيفة.. وغير ملوّثة بمزيد من الألم والإيلام..لأن الهدف هو فتح نافذة أمل لتغيير إيجابي ننشده وننادي به.. كالطبيب الذي يمسح على جرح الجريح بمطهّر قد يشعر الجريح (بحرقان) بسببه لكنّه ألم التطهّر ليشفى الجرح نظيفاً.. ولا يقوم الطبيب بدسّ المزيد من الملوّثات فيه ويدّعي أنه يطبّبه.. · قد يكون الواقع في كثير من جوانبه سيئاً..أو غير مرضٍ.. لكن تغييره لا يكون بالنظر إلى تلك الزوايا الضيقة والمساحات المظلمة. · التغيير نحو الأفضل يحتاج إلى عمل..والعمل يحتاج إلى أمل.. والأمل يحتاج إلى رؤية واضحة، والرؤية الواضحة لا يمكن أن تتأتّى لمن ألف النظر من خلف الضباب! · أن أزرع الأمل بكلمة .. خير لي من أن أعمّق الإحساس بالألم.. · أن أكتب لأرسم لك أيها القارئ العزيز طريقاً تتخطّى فيه عقبات الواقع وطرقه الوعرة خير عندي من أن أكتب لأحصي معك كم (مطبّ) وكم عثرة وكم طريقاً مسدوداً أمامك!! · المتاعب من حولنا كثيرة.. والذين يتحدّثون عنها أكثر.. والذين يجترّون المعاناة أكثر وأكثر.. · وإطلالة مقالي عليكم لا أنوي أبداً أن أجعلها إطلالة نكد .. فأن أكتب كلمة أرسم بها ابتسامة..أو أدلّ بها على طريق.. أو أبعث بها أملاً حقيقيّاً.. أو أحفّز بها على المبادرة..خير لي من أن أكرّس السلبيّة وأرسّخ الاعتقاد بها.. · فقناعتي هي أنه ليس مهمّاً أن نكتب عن هموم الناس..لكن المهم أن نخفّف عن الناس همومهم..