الوارداتُ كالخاطر الذي يومضُ في القلب، وهي أقوى - في ظني من خَواطِره - فإذا انتهى الوارد إلى إرادةٍ صار بها أقوى، حتى تكون عزيمةً.. والبرهان على ضعف البشر، وقلة حيلتهم، وتقلب قلوبهم ما يحصل لهم من نقضِ العَزائم، ولما كانت العزائم لا تكفي وحدها قال الله لنبيِّه: {فإذا عزمت فتوكل على الله}، والحقائق هي التي تكشف صدق العزائم، فقد تكون مجرَّد دعوَى، أو يكون صاحبها صادقًا غداة صدورها من نفسه، ويصدِّق ظنه فيها، فإذا جدّ الجدّ وعزم الأمر تبين لنفسه غير ما كان يظن، ولمثل هذا أسوقُ خبرًا حاصله أنّ واحدًا من طلبة العلم أحبّ بعض شيوخه حبًّا حمله على أن يقول: أتمنى أن يأخذ الله من عمري ليمدَّ في أجل الشيخ، فأراد أحد الظرفاء أن يتثبَّت من صدق دعواه، فجاءه في هَدْأة الليل، فلم يوقظه إلا اهتزاز السرير، وسماع صوت أصحل، يقول: قَبِلنا هبتك ما بقي من عمرك لشيخك، والسَّاعةَ أجلك، فأخذ يجأر ويتوسل، في استرجاع هبته، ولم يتركه صاحبه حتى بلغ منه الجهد، ثم تبين له أنه مَقْلبٌ، وأن الهاتف لم يكن ملكَ الموتِ.. ويشبه هذا قول من قال: لو أدخلتني النار لكنتُ راضيًا، قال ابن تيمية: هو عزم منه على الرضا، والعزائم قد تنفسخ عند الحقائق، ونحوه قول بعضهم: وليس لي في سواكَ حظٌّ فكيف ما شئتَ فامتحنّي فابتلي بعسر البول، وجعل يطوف على صبيان المكاتب، يقول: ادعوا لعمّكم الكذّاب. [email protected]