بصوته الشاحب وعيناه الغائرتين وجسمه النحيل كان يتمتم بكلماته التي لم تكن تفهم إلا بعد أن يكررها عدة مرات.. إنه علي المحمادي البالغ من العمر 42 عاما، من ينظر إليه يرى أن ظهره قد احدودب وخداه قد محت معالمها شمس 16 عامًا وأيامها قضاها على الرصيف، وثيابه قد ابلتها حرارة الشمس واخترقتها لتفتك بجسمه النحيل إلى جانب صنوف من الأسقام والمحن. يصبح ويمسي فوق ردهات من الأخشاب والقمائم بنتها يداه المعاقتان على رصيف مكة المسمى بالنور المظلم في عينيه والذي لم يرافقه سوى القطط التي تجمعت من حوله لتشاركه لقمة جمعتها يداه من خشاش الأرض من داخل حاويات جبره على ذلك الكسيران المرض والفقر وكأنه يأنس بها ويشاطرها ويحكي لها زمنه الغابر الذي فعل فيه فعلته، يفصح أحيانا بكلمات وتشعر أنك أمام إنسان عاش الدهر كله ودرس في أرقى الجامعات وتعلم فيها أجل العلوم حتى أنه قال: إنني عشت على هذا الرصيف 16 عاما ولم يسأل عني أحد وخص بالذكر بلسانه الذي يعجز عن إخراج الكلمات إلا بعد أن تشعر أحيانا وهو يتكلم أن روحه ستلفظ أنفاسها وتعود إلى بارئها قائلا: إن جمعية حقوق الإنسان لم تسأل عني وكأنك تشعر أن ذاكرته حبلى ويريد أن يفضفض مالديه ليجد نصيبه كغيره من الحالات التي وجدت اليد الحانية والقلوب الرحيمة داخل أسوار الجمعيه، يروي مأساته ويقول: أنا مقطوع من شجرة فليس لي قريب يسأل عن أحوالي حتى أفضفض له مابداخلي ليخفف عني ما أسقتنيه تلك السنين بكؤوس مليئة بالمر والعلقم وتتعجب منه عندما يقول بأن ليس لي قريب ولكن لي واحد أقرب فالله أقرب الأقربين إلى فهو الوحيد الذي يعلم بحالي وسواه رغم قربهم مني لكنهم لم يسألوا عني وعن حالي يومًا واحدا ولم يعلموا عني شيئا وآخر ما تحدث به قوله: أسال الله العفو والعافيه وأريد العلاج ومراجعة المستشفى. ثم داهمه المرض الذي ينتابه كما ذكر لنا بذلك من يعرفه وطار من بين أيدينا يجمع التراب ويكبه على نفسه وملابسه وولى هاربًا بين أزقة وشوارع العزيزية ليبدأ مشواره المثقل بالهموم والآلام مفتتحا بذلك عامه السابع عشر تتبادل في عضه صنوف العذابات ويراوده الموت كل ليلة لمبيته على قارعة الطرقات وإحراقه لجريد النخل والأخشاب والأكياس التي صفها ليلقي بضهره بين غياهبها وليستسلم هناك للبلايا والمحن فتارة تلدغه الوحدة بأنيابها وأخرى تداعب جسمه النحيل الأمراض وفوق تلك البلايا كان الفقر أنيسه وجليسه والتي لوكانت على جبل لما تحمل يومًا واحدًا ولتساقط حجرا حجرا لكن الصمود هو ديدنه فلو بقي معنا متحدثا وواعيا ومدركا بعقله ولم يتغلب عليه المرض لسقانا بعذب كلامه حكما ولشرق بنا وغرب من داخل صندقته التي شاطرته أنواع الأسى ونقش لنا دروسا عن الصبر لايمكن أن يمحوها الزمن فسنته التي يقضيها داخل صندقته وحيدًا مريضًا فقيرًا يائسًا تعادل عشرين سنه فالله أسال أن يجازيه بالبلاء أجرا كبيرا وأن يبعث له أهل الخير ويكونون له معينا. ويقول صبحي حميد أحد أصحاب المحلات المجاورين له والذي كان يساعده ويقدم له الطعام والشراب منذ أنه يعرف هذا المريض في هذا المكان قبل 8 سنوات. ويضيف أن علي المحمادي “مسالم” لايتعرض لأحد أبدًا فهو في حاله ومع نفسه وهو يعاني من حالة نفسية حادة يرمي بنفسه في أي مكان يفقد الشعور أياما كثيره حتى أننا في بعض الأوقات نجدة نائمًا داخل النفايات وتحت السيارات وربما يأتي أحد ويدهسه بسيارته وهو لايعلم أن تحتها شخص نائم ومريض وقال: آمل من المحسنين إن ينظروا إليه بعين الشفقة والإحسان وربما يكون لمرضه علاج مناسب يكسبون أجره عند الله إذا هم ساعدوه ووقفوا معه. “حقوق” الإنسان تتجاوب من جانبه قامت “المدينة” بدورها وأبلغت جمعية حقوق الإنسان وتجاوبوا مع البلاغ عن هذه الحالة ووعدوا أن يكون لهم زيارة قريبًا. وكان عضو جمعية حقوق الإنسان الدكتور محمد السهلي قد أهاب بالمواطنين أن يتعاونوا مع الجمعية والإبلاغ عن مثل هذه الحالات والتي ربما لاتستطيع التقدم والإبلاغ عن نفسها إما لمرض أوغيره وقال: إننا مستعدين لمساعدة مثل هذه الحالات التي تشابه حالة المحمادي وغيرها فورًا والعمل على تقديم الحل المناسب لهم في أسرع وقت.