العمل الصحفي الذي يعتمد على التحقيقات الصحفية الميدانية هو عمل مُرهق، يكتنفه كثير من المخاطر، خاصة في مجتمع لم يعتدْ على مثل هذه النوعية من التحقيقات الحيّة على أرض الواقع. فما بالك إذا كان هذا التحقيق يتناول قضية شائكة تتعلّق بالمرأة التي يحيطها مجتمعنا بكثير من الحواجز والمحاذير؟!. مغامرتان صحفيتان غير عاديتين أقدم عليهما مؤخرًا محررون تابعون لجريدتين سعوديتين، كشفتا إلى حد ما رد فعل قطاع من المجتمع تجاه التعامل مع بعض القضايا الحساسة في المجتمع. الأولى كانت لصحفيتين سعوديتين انتهت بهما للتوقيف في الشرطة!! فقد دفع الفضول الصحفي كلاً من الصحفيتين أروى خشيفاتي، وأسماء الغابري من «جريدة عكاظ» ، للدخول إلى مستشفى الولادة بجدة؛ للقيام بتحقيق واقعي عن حالات اختطاف المواليد المنتشرة في مستشفيات المملكة. فقد كلّفت إدارة تحرير جريدة عكاظ الصحفيتين التوجّه نحو المستشفى، ومحاولة اختطاف رضيع لاختبار جاهزية المستشفى. ورغم تأكيد الجريدة بأن «الزميلتين أروى وأسماء أنجزتا مهمّة التحقيق الميداني بنجاح»، إلاّ أن الأنباء أفادت بأن المغامرة انتهت بالفشل؛ بعد أن شكت والدة الرضيع، وقدمت بلاغًا فوريًّا، تم على إثره القبض على الصحفيتين، وإحالتهما لقسم الشرطة! أمّا المغامرة الثانية فكان بطلها محررًا صحفيًّا في «جريدة شمس»، تخفّى خلف عباءة نسائية؛ ليكتشف بنفسه مدى تأييد أو معارضة قيادة المرأة للسيارة. فقد انطلق المحرر الصحفي سعد سالم بسيارة في شوارع الرياض مع مصور الجريدة في جولة رصد لمشاهدات المواطنين لامرأة تقود سيارة، وهي مهمّة وصفها المحرر بأنها «تجربة مريرة.. مفارقات غريبة.. تفاصيل مدهشة»، وضعته أمام مواقف صعبة. لا شك في أن ما قامت به الجريدتان عمل غير مسبوق، يشكّل نوعًا جديدًا من التحقيقات الصحفية الميدانية في بلادنا.. لكن يبقى الحكم على تقبّل المجتمع لمثل هذه النوعية من التحقيقات الميدانية. وربما يعكس رد الفعل المبدئي الذي واجهه المحققون الصحفيون في الجريدتين مدى استقبال شريحة من المجتمع لهما. فرغم أن المهمّة الأولى التي كانت بطلتاها الصحفيتين (أروى وأسماء) قد انتهت في يد الشرطة التي تُجيد التعامل مع مختلف القضايا بشكل احترافي، فإن المهمّة الثانية كادت أن تنتهي بمأساة، كما أعترف صاحبها في تحقيقه، ك«رشق المركبة بأدوات حادة»، والمضايقات التي أجبرته على «الهروب.. ثم خلع العباءة، وكأنّ شيئًا لم يحدث». وأتوقع مزيدًا من ردود الفعل الرسمية والمجتمعية لهذه النوعية من التحقيقات.. أو المهمّات الصعبة.