· حتى لو بقيت صحافتنا الدهر كله تعرض الصورة تلو التحقيق؛ والمقال تلو الخبر في سبيل لفت انتباه مسئولي أمانة مدينة جدة وشركة المياه الوطنية لمعاناة سكان أحياء شرق جدة (قويزة) و(المساعد) مع طفوحات المياه الآسنة التي تنذر بكارثة بيئية وصحية حقيقية.. فلا أظن – والظن هنا بمعنى اليقين- أن ثمة تحركا ايجابيا سيطرأ على الوضع المؤلم هناك.. خصوصاً في ظل ما نسمع ونقرأ من تبادل للاتهامات وتقاذف للمسؤولية بين الأطراف المتهمة بالتسبب في ذلك الوضع المأساوي الذي أطلعني على شيء من تفاصيله أحد القراء من خلال تقرير معزّز بالصور يقول انه بعث بنسخة منه إلى معظم القيادات في الجهتين دون جدوى!. · لذا .. ومن باب التعاطف مع سكان تلك الأحياء التي نُكِبت العام الماضي بماء السماء ؛ ونُكبت هذا العام بماء الأرض .. فإنني اقترح عليهم تغيير سياسة الشكاوي و(المعاريض) و(تكفون يا النشامى) التي ثبت فشلها الذريع، إلى سياسة إدخال المسئول في تجربة فعلية من خلال برنامج (جرّب قويزة)!!.. على طريقة البرنامج الإنساني الناجح (جرّب الكرسي) الذي حقق نجاحا باهراً عندما أتاح للمسئولين الأصحاء معايشة معاناة المعاقين فعلياً من خلال الجلوس على كرسي الإعاقة لدقائق معدودة كانت كافية ليشعروا بحقيقة المصاعب التي تواجه المعاقين. · والبرنامج المقترح (جرّب قويزة)، برنامج بسيط جداً؛ تقوم فكرته على التناوب في استضافة قيادات أمانة مدينة جدة لمدة (24) ساعة فقط في احد المنازل التي هجرها أصحابها بسبب إطلالتها الساحرة على إحدى بحيرات المسك (الجداوي المعتق) .. ليعيش (الله لا يهينه) ولو لساعات المعاناة اليومية للأهالي بنفسه.. ولكم أن تتخيلوا السيناريو المتوقع لهذا اليوم التعيس في حياة المسئول عندما تقوم أسراب الحشرات الزاحفة والطائرة وأهمها البعوض المحمل بأوبئة الضنك ومختلف أنواع وألوان وجنسيات الحمى (الصفراء والألمانية والقلاعية) بتقديم واجب الضيافة لسعادته، لتذكّره كل لدغة بمعاناة المساكين من المواطنين وأطفالهم التي لم يشعر بها يوما في مكتبه الفاخر، الأمر الذي سيضطر معه صاحبنا إلى محاولة الهرب للشارع.. وفي هذا خير.. حيث سيشاهد بأم عينه (إن سلمت من الفيروسات والفطريات) أطفال المدارس وهم يتخبطون في مياه المجاري، كما سيشاهد أيضا الأحوال البائسة للطرقات، وسريالية الحركة في الميادين، وأفواج العمالة السائبة وهي تقدم الوجبات للأهالي بنكهة (الوباء الكبدي) في تلك المطاعم الشعبية التي تبدو وكأنها أكثر عدداً من السكان !. · (جربوا قويزة) تجربة أتمنى تعميمها على معظم مدن المملكة.. ففي كل مدينة هناك حي يشبه ( قويزة) في معاناته مع العشوائية و الإهمال ونقص الخدمات .. أحياء وان اختلفت في أسمائها إلا أنها تتشابه في ظروف ولادتها من رحم الفقر والحاجة.. وفي ظروف نشأتها التي دائما ما تكون على أطراف المدن!!.. فعندما يتزاوج الفقر والحاجة فإنهما ينتبذان مكاناً قصيا ليخرج مولودهما مشلولا ضعيفا؛ يحتاج إلى الاهتمام والرعاية؛ أكثر من حاجته إلى الإبر المخدرة التي قد تدخله في غيبوبة أشبه ما تكون بالموت الدماغي. حتى لا يختنق الأطفال والأبرياء على أطراف المدن.. فضلاً (جربوا قويزاتكم) أيها الأمناء. [email protected]