إن مجتمعنا كأي مجتمع يتكون من طبقات اجتماعية متعددة مذهبية وقبلية وثقافية ولا عيب في وجود هذه الطبقات بل هي سمات إيجابية، تتكون منها معظم المجتمعات، فثقافتنا وما توصلنا إليه من نظم وتطورات وتقنيات في جميع المجالات إنما هو نتاج تعدد العقول المبدعة والمنتجة من طبقات المجتمع أو العقول المهاجرة. فمثلًا في السبعينيات والثمانينيات كانت الأيدي العاملة والمنظرة في التعليم والصحة وجميع القطاعات الحكومية الأخرى تشكل قرابة 85%من العاملين في هذا الوطن وكانت هذه الأيدي من الاخوة الأشقاء العرب.. ونستطيع أن نقول إن هذه الأيدي كان لها قديم فضلٍ علينا في تلك الحقبة الزمنية.. ونحن إذ نذكر ذلك من باب الاعتراف بالجميل. ونحن في عصر العولمة.. وضيق المسافات.. وصغر المحيط المكاني القرية التي نعيش فيه.. أصبح مرفوضًا أن تتميز طبقة من الطبقات أو فئة من الفئات فتدعي لنفسها الأصالة والتميز عن الآخرين في العرق أو الثقافة.. إذ الكل ساهم في صناعة هذه الثقافة وصياغة النظم والتطورات الثقافية والتقنية والنهضة العلمية المشاهدة التي ينعم بها هذا الوطن. فمصانع الجبيل وينبع تقنيات حديثة ومتطورة وإنتاج هائل من البترول والبتروكيماويات والغاز الطبيعي.. هذه الطاقة الهائلة تدار بأيدٍ وطنية سعودية تشكل 80 90% من الأيدي العاملة في هذه الشركات. فلله الحمد والمنة، ولو رجعنا إلى الوراء قليلًا في السبعينيات لأدركنا أن الأيدي العاملة الوافدة كانت تشكل قرابة 80%.. فلذا يجب علينا أن نقدر ونثمن جهود الآخرين. إننا كشعب سعودي كغيرنا من الشعوب لا يمكننا الاستغناء عن جهود الآخرين.. فهذه العمالة الوافدة التي تعيش بيننا والتي يراها البعض منا كالجرثومة من شدة الاحتقار... فإنها رغم ذلك لها تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. فلا يتصور كثير منا أن يعيش بلا خادم أو طاهي أو عامل نظافة.. ولا يتصور أحد منا أن يعمل في يوم ما عامل نظافة في أحد الدوائر الحكومية أو إحدى الشركات في هذا الوطن. ومن هنا يجب علينا أن نعي أننا بشر ككل البشر لا نتميز عنهم بشيء (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ويجب علينا كمجتمع أصيل أن ننكر ذواتنا لنعلو.. فعندما هاب الأعرابي رسول الله صلى الله علية وسلم.. قال عليه السلام (هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة)، قمة التواضع منه صلى الله عليه وسلم. إن داءً يسري بين عروقنا وهو داء (الأنا.. ونحن.. وحنا.. وأخواتها..) هذا الداء يجعلنا نرى أنفسنا فوق الآخرين.. وأن الآخرين هم دوننا.. وأننا مجتمع خالٍ من النقائص.. وأن كل عيب ونقيصة إنما هو دخيلُ علينا، بهذا الاعتقاد البائس.. وهذه الأنانية نثير حمية الآخرين وغضبهم علينا.. ونلحق بأنفسنا هالةً كبيرة من التزكية ونبالغ في تزكية أنفسنا والمولى يقول: (ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى..) وبكل حال فلسنا بأفضل من الرعيل الأول في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد وقع في ذلك المجتمع الطاهر النقي بعض المخالفات الشرعية والآفات الاجتماعية.. كالزنا وشرب الخمر والسرقة والغيبة والبهتان وقول الزور وغيرها من الآثام.. وليس بعيب أن يحدث مثل هذا في أي مجتمع.. إنها سنة الحياة ويبقى الصراع بين الخير والشر قائمًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. والعيب كل العيب أن يستمر المرء في الخطأ حتى يتفاقم. إننا عندما نتجاهل الآخرين وننكر ذواتهم فإننا سوف نخسر كثيرًا من الحب.. والمودة.. والتآلف.. والتوافق.. والانسجام بيننا وبينهم. محمد أحمد فلاته - المدينة المنورة