حفلت “أيام قرطاج السينمائية” في دورتها ال 23 لهذا العام بالعديد من الفعاليات المتنوعة والتي استمرت لمدة ثمانية أيام توزعت فيها الاحتفالية على أقسام مختلفة بين المشاهدة لأكثر من مائتي فيلم طويل وقصير ووثائقي. واستمتع الجمهور بسحر السينما الذي يحوّل الواقع الذي يبدو بائسًا وركيكًا وباهتًا إلى صورة مضاءة بقنديل الأفكار والمشاعر فيراها مختلفة وهو يجلس في قاعة معتمة وجهًا لوجه مع ذواته العارية إلاّ من رؤية المخرج التي نشاهد من خلالها أفعالنا وما ترمي إليه وما يمكن أن ترمي إليه عندما نلقي بها في آلة التأويل البشرية وكل واحد يؤول حسب زاده الثقافي والفكري. فهذه الأيام السينمائية المنتهية أنهت علاقتها بالنجاح والتألق والموضوعية بعد أن بدأت تحيد دورة بعد دورة عن مسارها الحقيقي وهو تشجيع السينما المناضلة والجادة عربيًا وإفريقيًا، ولعل الأخيرة تعيش المتاعب والصعوبات وقلة التمويل وفضاءات العرض والاعتراف هي الخاسر الأكبر في التوجه الجديد للمهرجان إذ لم يحدث من قبل أن تم تجاهلها بهذه الطريقة رغم بعض الجوائز التي نالتها وقد كانت من باب ذر الرماد على العيون وبدا من خلالها أنه تمت محاسبتها بصرامة ومقارنتها بسينما بلدان رسّخت أقدامها في هذا الفن إلى أن أصبحت السينما عندها صناعة ولا يمكن لبعض البلدان الإفريقية أن تتنافس معها بأي حال من الأحوال. أما عن حفل اختتام هذه التظاهرة الدولية فلم يكن في مستوى التوقعات، حيث كان بلا طعم وبلا مذاقات إفريقية، بل كان منسوخًا عن حفل الافتتاح.. بداية من سيارات “الليموزين” الباذخة وهي تحمل نجوم الدورة من النزل إلى المسرح البلدي ب “عربة يجرها الخيل” وعلى متنه نجوم الصفّ الثاني، وأمام المسرح البلدي وعلى البساط الأحمر الممتد عزفت مجموعة موسيقية مختارات من “الفلامنكو” ولا ندري سر هذا الاختيار!. التانيت الذهبي قرارات لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية للأفلام الطويلة كانت -صراحة- متوقعة، ما عدا “التانيت الذهبي” للأفلام الطويلة الذي حصل عليه المخرج المصري أحمد عبدالله عن فيلم “ميكروفون” وهو لا يُقارن -مثلًا- بفيلم “فتى الروح” من كينيا ولا بفيلم “دولة العنف” من جنوب إفريقيا أو “كل يوم هو عيد” من لبنان ولا ب “الجامع” المغربي، وإذا كان المقصود هو استرضاء المخرجين والممثلين المصريين بعد دورات عديدة لم يحصلوا فيها على جوائز وعزوفهم عن مواكبة أيام قرطاج السينمائية فإن الفيلم المصري “رسائل البحر” لداوود عبدالسيد كان الأولى بجائزة التانيت الذهبي، فشريط “ميكروفون” وإن كان يحمل قضية ونضال الفرق الموسيقية الشبابية من أجل الاعتراف ب “الهيب هوب” ومنحهم فرصة الوجود بين الأنماط الموسيقية الأخرى في مصر فإنه لم يكن يرق لدرجة أن يحصل على “التانيت الذهبي” لأنه فيلم تجاري لمجموعة هواة صُور بطريقة وإن كان فيها البحث والاجتهاد لا يمكن مقارنتها بعدد من الأفلام ذات القضايا الجادة والمصيرية التي عُرضت في الدورة ومنها الفيلم المغربي “الجامع” المتحصّل على جائزة “التانيت البرونزي” للأفلام الطويلة. في حين كانت جائزة “التانيت الفضي” من نصيب الجزائري عبدالكريم بهلول عن شريط “رحلة إلى الجزائر” الفائز أيضًا بجائزة الجمهور. في حين أُسندت جائزة أحسن ممثل لآسر ياسين عن دوره في فيلم “رسائل البحر” من مصر، ونالت جائزة أحسن ممثلة دونيز نومان عن دورها في فيلم “شيرلي أدامس” من جنوب إفريقيا، ومُنحت جائزة لجنة تحكيم الأطفال إلى فيلم “النخيل الجريح” لعبداللطيف بن عمار من تونس وفيلم “تنويه خاص” وفيلم “كل يوم هو عيد”. وبخصوص نتائج المسابقة الدولية الرسمية للأفلام القصيرة نال شريط “صابون نظيف” من إخراج مليك عمارة من تونس جائزة “التانيت الذهبي” لهذا الصنف، وأُسند “التانيت الفضي” إلى شريط “بومزي” للمخرج وانورى كاهيو من كينيا، وحصل شريط “ليزار” من إخراج زلالم ولد ماريام من أثيوبيا على جائزة “التانيت البرونزي”. وفي مجال الأفلام الوثائقية حصل على “التانيت الذهبي” فيلم “فيكس مي” من إخراج رائد عندوني من فلسطين. وهنا نلاحظ هيمنة السينما المغاربية على جوائز أيام قرطاج السينمائية التي تحتاج إلى هزة صادمة وإلى إعادة تفكير من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومن أجل أن يعود ل “الأيام” بريقها.