تتشرف المملكة العربية السعودية كل عام باحتضان حجاج بيت الله الحرام الذين تتجاوز أعدادهم المليونين ونصف المليون حاج في بقعة مقدسة صغيرة لا تتجاوز عدة كيلومترات مربعة، واستطاعت بفضل الله ثم بفضل قيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن تسجل نجاحات متواصلة بسبب اكتسابها للخبرة والتجربة الطويلة في إدارة الحشود البشرية. وأم الوزارات، كما يطلق عليها، «وزارة الداخلية» والتي تعنى بالأمن والحكم المحلي تبلي، بلاء حسنًا وغير مسبوق كل عام في إدارة الحشود البشرية من قبل وزارة «التكنوقراط» أي التي يعمل بها مؤهلون تأهيلًا عاليًا إلى جانب الخبرة المكتسبة. فوزارة بهذا الحجم تعنى بالأمن والحكم المحلي، يديرها النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ورئيس لجنة الحج العليا، الأمير نايف بن عبدالعزيز -يحفظه الله- الذي كعادته يوجه ويعطي تعليماته لرجاله في وزارة الداخلية لجعل أمن وطمأنينة الحجاج من أولوياته لكي يؤدوا مناسكهم على أكمل وجه ويعودوا سالمين غانمين لديارهم وأولادهم وأسرهم. فوزارة الداخلية عليها مسؤولية كبيرة في حفظ الأمن واستتبابه في جميع ربوع المملكة وفي مواسم الحج والعمرة والزيارة بشكل خاص، حيث تثبت جميع قطاعاتها الأمنية جاهزيتها من أجل أمن وسلامة ضيوف بيت الله الحرام وتوفير جميع سبل الراحة لهم. فالوزارة تستنفر عشرات الآلاف من قواتها الأمنية في جميع قطاعاتها المتعددة مستفيدة من خبرتها الطويلة لعقود ماضية في إدارة الحشود البشرية ليس ذلك فحسب، بل إنها تتعلم وتستفيد من الأخطاء في مواسم سابقة لكي تتلافاها في مواسم لاحقة. فهي تخضع كل موسم للدراسة والبحث وتستخلص منه السلبيات والإيجابيات فتعالج السلبيات وتعزز وتبني على الإيجابيات. فالعيب ليس بارتكاب الأخطاء، بل إن العيب كل العيب في الاستمرار بالأخطاء نفسها، فالعقلاء من الناس هم من يتعلمون من الأخطاء. إدارة حشود بشرية بهذا الحجم، في وقت وزمان ورقعة جغرافية صغيرة جدًا، ليست بالبساطة والسهولة التي يتصورها أي شخص، فوزارة الداخلية في حقيقة الأمر تدير دولة في داخل دولة في المشاعر المقدسة تعداد سكانها أكثر من مليوني ونصف مليون نسمة. يقول سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز، الحكيم في كلامه، اقتباسًا من جريدة الرياض، ليوم الأحد الموافق 8 ذي الحجة 1431ه، « بعض الدول التي تنظم مناسبات رياضية... تستعد لها من سنوات في حين المملكة يأتيها في كل عام أعداد كبيرة من حجاج ومعتمرين». نعم بطولات رياضية يتوزع فيها الحضور على عدة ملاعب وبالتالي يسهل السيطرة عليهم وضبطهم أمنيًا وصحيًا ومع ذلك تعد لتلك البطولات الرياضية عدة سنوات من أجل إنجاحها في مواسمها الرياضية في حين أن المملكة تنجح نجاحًا منقطع النظير كل عام في تنظيم تظاهرة دينية ذات حشود بالملايين لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام ألا وهو الحج وقبل ذلك العمرة في الشهور السابقة لشهر ذي الحجة. إنه الفن والإبداع والعزيمة والتصميم التي تقوم بها القطاعات الأمنية المختلفة لكي نفتخر بها كوطن وكمواطنين وكقيادة حكيمة سخرت جميع إمكانات المملكة من أجل أمن ورعاية حجاج بيت الله الحرام. فمن إدارة أكثر من رائعة لتلك الحشود البشرية من مرور وانسيابية المرور إلى قوات أمن تحافظ على الأمن إلى قوات أمن خاصة وقوات الطوارئ الخاصة تنتشر في المشاعر المقدسة لردع كل من تسول له نفسه العبث في الأمن وتعكير صفوه إلى جانب قوات الدفاع المدني التي تقوم بمهام متعددة كالإنقاذ في أثناء الكوارث الطبيعية كالسيول والانهيارات والفيضانات وغيرها، أو في أثناء الكوارث غير الطبيعية كالكوارث التي يتسبب فيها الإنسان ومن صنعه كإخماد الحرائق والإخلاء والإيواء والتأكد من الطرق المتبعة في سلامة البشر والممتلكات وغيرها من المسؤوليات المناطة بها. كما أن قوات حرس الحدود تساهم مع بقية القوات الأمنية الأخرى في الدعم والمساندة وأيضًا المديرية العامة للجوازات التي تقوم بالتدقيق في تصاريح الحج وأن وثائق الحجاج في الداخل ومن الخارج مستوفية للشروط، حيث تم إعادة أكثر من سبعين ألف حاج لا توجد لديهم تصاريح مستوفية للشروط كتكرار الحج كل عام على سبيل المثال، أو عدم وجودهم ضمن حملات للحج مما يؤدي إلى افتراش الأرصفة والطرق وإفساد الحج وتعريض حياتهم للخطر وبقية الحجاج. وإلى جانب أجهزة وزارة الداخلية المتعددة تقوم كلية الملك فهد الأمنية وبقية المعاهد الأمنية بمشاركة القطاعات الأمنية في مواسم الحج. وكذلك الإدارة العامة للمجاهدين التي تساند بقية زميلاتها بالدعم والمساندة. ثم تأتي الخدمات الأخرى المساندة كالإدارة العامة للخدمات الطبية التي تسخر جميع طاقاتها البشرية من أجل توفير الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية لجميع قطاعات وزارة الداخلية المشاركة في الحج. ولا ننسى الجهود الكبيرة لوزارات الصحة والحج والثقافة والاعلام والشؤون البلدية والقروية والنقل والاتصالات والتجارة والمالية (الجمارك) والشؤون الإسلامية وغيرها من القطاعات الحكومية الأخرى ذات العلاقة التي تساهم وتشارك بفعالية في مواسم الحج جنبا إلى جنب مع وزارة الداخلية. إنها الإدارة الحكيمة للحشود البشرية التي لم تأت من فراغ، بل بالعرق والجهد والدراسة والرسم والتخطيط والخبرات الطويلة المتراكمة للقطاعات الأمنية المتعددة والتوجيهات الحكيمة من قبل ولاة أمر في وزارة الداخلية يسهرون على أمن مواطنيهم وضيوفهم من الحجاج والمعتمرين والزائرين وغيرهم إنه بالفعل عمل جبار تقوم به جميع قطاعات الدولة من أجل خدمة حجاج بيت الله الحرام ليكملوا الركن الخامس من أركان الإسلام. فلنصفق كثيرًا لوزارة الداخلية بقطاعاتها المختلفة العسكرية والمدنية وبقية زميلاتها الوزارات الأخرى التي أنجحت حج هذا العام ونقول شكرًا لرجل الأمن الأول نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الذي يمتلك الحكمة وبعد النظر في فن إدارة الحشود البشرية. ندعو الله العلي القدير أن يحفظ لهذا الوطن العزيز علينا أمنه وأمانه واستقراره وأن يحفظ قيادته الحكيمة وأبناءه المخلصين الذين تشرفوا بخدمة الحجاج، كما ندعو المولى القدير أن يعيد علينا الأعياد أعوامًا عديدة وكل عام والأمتين العربية والإسلامية بألف خير وعافية ونقول للحجاج: حج مبرور وسعي مشكور.