إ جعل الشرع العبادات متفاضلة ، وأزمنتها ، وأمكنتها ، وأحوال عامليها متفاضلة في الارتقاء ، وجعل ذلك المنافسة والمسابقة والمسارعة إلى الخيرات إقبالاً وشغفاً إليها بإخلاص وتذلل وتضرع وإخبات خفي وظاهر ..! وهذا الارتقاء – أعني الارتقاء بالعبادات في الخلوات والظهور – جزء كبير قدّره الله – سبحانه وتعالى – في النفوس المطمئنة – لا النفوس المريضة التي تنفر وتشمئز من العبادة الحقة ...! إذاً .. فمن كمّل درجات العبودية ، وارتقى بعمل أفضل وأحب الطاعات والعبادات له سبحانه : نال الدرجات والمنازل العُلى لديه ، وأتته السعادة وهي راغمة ، ويمكن الارتقاء في العبادات بالخطوات التالية : أ) التفاعل مع الآيات القرآنية من ناحية الترغيب والترهيب ..!!! ب) التفاعل مع الأحاديث النبوية من ناحية التمييز في الأفضلية ..! ج ) تطبيق العبادات – فرضاً كان أو نفلاً في اليوم الواحد - ..! د ) الترجيح بين عبادة على غيرها من العبادات لمزية فيها ..! وهي الفضيلة التي يترجح بها الفاضل على المفضول ..! فمثلاً : عندما نفاضل بين صلاتي الفجر والظهر فإن صلاة الفجر فيها عدة مزايا : 1) ضور الملائكة ..!-طول القراءة ..! -تأكيد قوة الإيمان والنصرة على ( النفس الأمّارة ) لشاهديها مع الجماعة ..!- دخول الجنة-البراءة من النار ..-كون المصلي في ذمة الله ..!-كون من صلى الفجر في جماعه فكأنما قام نصف الليل ..!-كونها – أي صلاة الفجر – من أسباب رؤية الرحمن عز وجل ..! كما يرى القمر ليلة البدر ..! فهذه عدة مزايا لصلاة الفجر التي تركها كثير من الناس ، بخلاف المزايا في صلاة الظهر فهي مزايا قليلة . وعندما نفاضل بين الفجر والعشاء فإن مزايا الفجر تتقلص ، إذ أكثر تلك المزايا موجودة في صلاة العشاء ، وهكذا في المفاضلة بين العصر ، والفجر ، عبر الأحاديث في المفاضلة بينهما . ومثال آخر : وهو عندما يصلي المسلم في المسجد – فرضاً كان أو نفلاً – يختلف من ناحية الثواب والأجر ، عندما يصلي في المسجد الحرام ، فالمسجد الحرام ، الصلاة فيه لها أفضلية خاصة وفوائد متعددة*فالارتقاء في العبادات يكون على حسب اجتهاد ودوام العبد الموفق ..! ( وإذا أحبك الله استعملك في طاعته دائماً ) وتكون موفقاً في سرك وجهرك ..! وهكذا ... يكون العبد فاعلاً ومتفاعلاً مع الارتقاء بنفسه قبل غيره .. وهذا هو علاج البطالة النفسية التي تشعر بالفتور والكسل الخفي للنفس الهزيلة التي تحب التثبيط والخمول الخفي والظاهر ..!! * ومما يُعين المُترقي بنفسه قبل غيره على الارتقاء في تحقيق البصيرة في العلم والعبودية لخالقه عز وجل على أكمل وجه ما يلي : 1) أن يتخّير من العلم والأعمال الفاضلة ما تميل إليه النفس ، وينشرح له الصدر ، فيُثمر له العلم ، ويتبصر بعبادته على قلبه وعلى غيره ، 2) مخالطة المجتهدين في الارتقاء بأنفسهم وذلك بضوابط المخالطة التي لا تميل إلى الكثرة ، لأن كثرة المخالطة تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ..!! 3) البعد عن الملل من تكرار العبادة ، قال تعالى}واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين { ، فجعلها كبيرة على المكلف ، واستثنى الخاشعين الذين لا يملون من تكرار العبادة. * أيها المسلم : إعلم أنه من الخزي والعار على المسلم أن يرتقي في بناء عمارته ، وسيارته ، وشؤون حياته الدنيوية ، ولا يرتقي في عباداته الخفية والظاهرة ، التي ينتفع بها العبد في أخراه – ( فالدنيا ظل ورقي زائل ، والآخرة ظل ورقي باق ) – } بل تؤثرون الحياة الدنيا .. والآخرة خير وأبقى { . عبدالاله محمد الصبحي -جدة