لقد تعرض فقيد الأمة الدكتور محمد عبده يماني إلى أزمة قلبية مفاجئة في أول يوم من أيام ذي الحجة، ثم سمعنا عن فاجعة موته في اليوم الثاني من أيام ذي الحجة، أفضل الأيام عند الله سبحانه وتعالى. وإنه لتدمع العين، ويحزن القلب لهذا الفراق. يقال إن اليوم الأول من ذي الحجة هو اليوم الذي غفر الله فيه لآدم عليه السلام، وأن اليوم الثاني من ذي الحجة هو اليوم الذي استجاب الله فيه دعاء يونس عليه السلام فأخرجه من بطن الحوت. وهذه المنية وتوقيتها تدل على حسن الخاتمة في هذه الأيام الفضيلة، ومغفرة ودعاء مستجاب إن شاء الله. وقد علمت أن الدكتور محمد عبده يماني قرر في الفترة الأخيرة أن يعود ويسكن بمكة، وأنه كان يقول: “لقد غبت كثيرًا عن أهل مكة”. لقد تأثرت شخصيًّا بقيادة وفكر الدكتور محمد عبده يماني منذ الصغر؛ فقد كان الدكتور يماني يذكّرني بجدي لأمي سفير الوطن الشاعر حسين فطاني، والذي توفي وأنا في الخامسة عشرة من عمري، وله في قلبي مكانة كبيرة ومحبة عظيمة، فهو رجل عشق مكة، وتلقّى تعليمه أيضًا في الحرم المكي الشريف، وكان يقول في ديوانه “يا قبلة المجد”: وعز في الناس من عزّت بلادهم بها أشاروا لها أو شيدوا فيها ولا كمكمة في الأمجاد من وطن حاشا ولا مثلها أهل كأهليها واستمر حبي وتقديري للدكتور محمد عبده يماني من حب والدي له وأحاديثه عنه واستشهاده بكلامه، وها أنا ذي من الجيل الثالث للدكتور يماني أجد أنه ما تعلمته من والدي “عن عم عبده” من تطبيق منهج “علموا أولادكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم” ونشأتي على هذا الفكر العظيم. ولكن معرفتي بالدكتور محمد عبده يماني كان لها سبب آخر. فقد عرفت الدكتور يماني بأبي فاطمة بحكم معرفتي بها، صديقة قريبة إلى قلبي. كنا نجتمع كثيرًا أيام الدراسة، تدعوني إلى بيتها، وكنا نشعر بالسعادة عندها، وكنت أشعر في بيتها بهيبة والدها، “هيبة” شخصية أحترمها منذ الصغر، وحاوطتني بها ذكرياتي عن جدي وحب والدي له وصداقتي بفاطمة التي أعتز بها. ثم أتى مقال للدكتور محمد عبده يماني في جريدة “المدينة” بعنوان (المتينا يا لينا) بمفاجئة كبيرة لي أعتز وافتخر بها تعليقًا على مقال كتبته عن تجربتي وخواطري عن ضحايا سيول جدة، والتي أعتبرها وسام وشهادة كبيرة في حياتي. إن الدكتور يماني رجل لم يجف قلمه وجهاده في سبيل دينه ووطنه ومجتمعة حيث كان حتى آخر أيام حياته يوصي بالحجاج خيرًا في مقالاته ويُذكر بفضائل مكةالمكرمة والمدينة المنورة. إن الدكتور يماني سوف يرثيه التاريخ، وتُعزي الأمة على فقدان علم من أعلامها، ومدرسة تعلّم منها أجيال، وها هي زكاة علمه في أكثر من (35) مؤلفًا للأجيال القادمة. يحيا ويموت أناس دون أي بصمة يتركونها بعد مماتهم؛ ولكن الدكتور محمد عبده يماني ترك لنا بصمات وفكر وفلسفة على جميع المستويات الفكرية والثقافية والعملية والاجتماعية والخيرية والدينية والصحية والرياضية. صبّر اللّه أهلك، وبلغك الفردوس الأعلى مع الصالحين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.