شهد اليمن الشقيق الأسبوع الماضي أحداثًا مؤسفة جدًا ذات صلة بالحرب على الإرهاب تدور أحداثها حول محاولة جهة ما يقال إنها منظمة القاعدة بجزيرة العرب إرسال طرود مفخخة إلى الولاياتالمتحدة في توقيت غريب عجيب يتوافق مع عشية الانتخابات النصفية الأمريكية بهدف صرف الأنظار عن المشكلات الداخلية التي تعانيها إدارة الرئيس الأمريكي أوباما كما يرى الكثير من المراقبين الدوليين، ومع ذلك فقد أخفق الهدف وخسر الديمقراطيون حزب أوباما الانتخابات بشكل كبير، وكادت أن تذهب ضحية أحداث اليمن «الإرهابية» لولا لطف الله طالبة كلية الهندسة حنان سماوي التي سُرقت هويتها واستخدمت في محاولة إرسال الطرود. كان من بين تداعيات تلك الأحداث تدهور العلاقات بين اليمن وعدد من الدول الأوروبية بسبب رفض الأخيرة استقبال الطرود البريدية الصادرة من اليمن على أساس أن اليمن لا يقدم كل ما هو مطلوب في الحرب على الإرهاب، لكنّ المخيف في تداعيات تلك الأحداث ما تم تناقله في الصحافة الأمريكية من إزماع الإدارة الأمريكية إرسال قوات أمريكية خاصة لليمن ووضعها تحت إمرة الاستخبارات الأمريكية ال سي آي أية لمحاربة القاعدة باليمن، واستقراءً من أحداث الماضي فإن ذلك قد يعني قتل الكثير من المواطنين اليمنيين بواسطة الطائرات الموجهة دون ذنب ولا جناية اللهم سوى وجودهم ضمن دوائر المستهدفين تمامًا كما يحدث حاليًا في الحرب الأمريكية على الإرهاب في أفغانستان وباكستان والصومال. تشكل الطائرات الموجهة، أو كما تعرف أيضًًا بمصطلح الطائرات بدون طيار، بمختلف أحجامها وقدراتها المتفاوتة إحدى المكتسبات الإنسانية في مجال الطيران والفضاء فمنها ما يحلق في طبقات الجو العليا لجمع البيانات والمعلومات للأرصاد الجوية، ومنها ما يستخدم في مراقبة حركة المرور فوق المدن والطرقات السريعة لتحقيق مستوى أعلى من السلامة المرورية، ومنها ما يستخدم في التطبيقات الزراعية ومتابعة نمو المحاصيل، وكذلك في مراقبة حدود البلاد المترامية الأطراف لمنع تسلل البشر أو تهريب الممنوعات. هذا غيض من فيض من تطبيقاتها المدنية السلمية، أما تطبيقاتها العسكرية فهي عديدة جدًا بدأت تقليديًا بالمهمات التجسسية وجمع المعلومات، ولا تزال دوائر استخداماتها العسكرية آخذة في الاتساع والعديد منها ستكون طائرات مقاتلة بحجم المقاتلات التقليدية وتتفوق عليها في أداء المهمات القتالية. برزت طائرة «بريديتور» (المفترسة) الأمريكية في أدوار القتال غير التقليدي في الحرب على «الإرهاب» في كل من أفغانستان والباكستان واليمن والصومال منذ عهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن السابقة، وزادت كثافة هذا النوع من الاستخدام الغاشم في عهد الإدارة الأمريكية الحالية بنتائج كارثية على المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء ورجال غير مقاتلين في كل تلك البلاد المسلمة نظرًا لعدم توخي الدقة في الاستهداف، تمامًا كما تفعل إسرائيل التي تعتبر بحق الدولة الأولى التي استهدفت المدنيين بشكل واسع بطائراتها الموجهة في فلسطين عمومًا وفي قطاع غزة على وجه الخصوص وقتلت بكل خسة الآلاف منهم. تاريخيًا كانت من بواكير استخدام الطائرات الموجهة من قبل القوات الأمريكية في بداية الثمانينات من القرن المضي وبالتحديد عام 1980م إذ استخدمت آنذاك ضد حكومة نيكاراقوا المنتخبة بأمريكا الجنوبية بسبب الخلافات معها، أما بالنسبة للطائرة الموجهة «بريديتور» أو (المفترسة) الأشهر والأكثر استخدامًا في المناطق الساخنة من العالم العربي الإسلامي على مدى قرابة العقد الأخير فقد تم تطويرها في أعقاب حرب البلقان في التسعينيات تبلغ تكلفتها 10 مليون دولار، أي بعشر تكلفة المقاتلة التقليدية أو أقل من ذلك، إضافة إلى تدني تكاليف تشغيلها مقارنة بالمقاتلات التقليدية فقد بدأت خدمتها العسكرية كطائرة تجسس تستطيع التحليق لمدة 24 ساعة متواصلة ثم تم بعد ذلك تسليحها بصواريخ «هيل فاير» (نيران الجحيم) لتصبح طائرة قتال هجومية تستطيع قتل كل شيء حي ضمن دائرة قطرها 40 مترًا من نقطة أو مركز اصطدام الصاروخ. الجيل الجديد من طائرات (المفترسة) يسمى «ريبر» أو (المقطعة أو الممزقة) والتي يتم توجيهها بنظام الملاحة الكونية الأمريكي GPS ويمكن تسليحها إضافة إلى صواريخ (نيران الجحيم) بقنابل فتاكة زنة 240 كغم وتستطيع التحليق المتواصل ل 36 ساعة. من بين الأسباب الرئيسية في الارتفاع الكبير في أعداد القتلى في صفوف المدنيين العزل بواسطة الطائرات الأمريكية الموجهة الاستهداف العشوائي للبيوت والمنازل بناءً على معلومات استخباراتية مهزوزة من قبل ال سي آي أية، حسب تقرير (الحملة الأمريكية عن الضحايا الأبرياء في الصراعات المسلحة CIVIC) والذي يؤكد على أن القوات الأمريكية كثيرًا ما تستهدف بيوتًا لأن أحدًا من مقاتلي طالبان دخلها ذات مرة، أو حتى اقتحموها عنوة طلبًا للطعام، وأنه من بين ال2،000 شخص الذين قتلوا بوزيرستان بالباكستان منذ بدء الهجمات بالطائرات الموجهة 66 منهم فقط من رجال القاعدة أو الطالبان، أي أن قرابة 97% من المدنيين الأبرياء، وفي دراسة أخرى أجرتها مؤسسة «بروكنز» الأمريكية الشهيرة خلصت منها إلى أنه يتم قتل 10 أشخاص من المدنيين الأبرياء العزّل (الأضرار الجانبية) في مقابل قتل كل رجل من رجال القاعدة أو الطالبان. بل إنه وطبقًا لخبير مضادة «التمرد» السيد «كليلان» المقرب من الجنرال «بيتريوس» فإن أقل من 2% ممن يقتلون في هجمات الطائرات الموجهة في أفغانستان وباكستان هم من المجاهدين والبقية الباقية من المدنيين الأبرياء. وليس ما سيحل بالمدنيين العزل باليمن من قتل عن إحصائيات قتل المدنيين العزل بأفغانستان وباكستان بواسطة هجمات الطائرات الموجهة ببعيد، وتبقى الأسئلة الملحة تتردد في عقل كل ذي لب وبصيرة يهمه مصير المنطقة بل مصير العالم أجمع: هل سيؤدي تزايد وجود القوات الأمريكية في المنطقة وتحديدًا في اليمن وتضييق دوائر الوجود القوات المسيحية حول قلب العالم الإسلامي النابض أرض الحرمين الشريفين لا سيما بعد أن بدأ تراجع الإدارة الأمريكية عن سحب قواتها فعليًا من العراق في 2011 م، وهل سيؤدي قتل المدنيين اليمنيين الأبرياء العزل دون ذنب بدعوى محاربة القاعدة في جزيرة العرب إلى استقرار في المنطقة أم إلى مزيد من الاحتقان ومزيد من الحروب الأمريكية على البلاد العربية الإسلامية نيابة عن إسرائيل؟ وإلى أين ستقود هذه التطورات الخطيرة العالم بأسره؟ ولله عاقبة الأمور. [email protected]