يَجنح العربي إلى رَمي تَبعات فَشله على مَن حوله، مِن حكومة قَائمة، أو قُوى غَاشمة، أو أُمَّة مُستعمرة ظَالمة، لذا تَبدو «ثَقافة الانتظار» مَخرجًا وَهميًّا يُريح القَلب ويُسعد الرُّوح، حين يَمرّ عَبر الأحلام والأماني المُتَّكئة على متون الغَد القَادم، وإنّ غدًا لنَاظره ليس قَريبًا، حسب مَفهوم العَربي المَاكِث على رَصيف الانتظار..! ورغم تَضافر النّصوص الدّينيّة، والمَقولات المنطقيّة على ضَرورة المُبادرة، واستغلال الزّمن خلال عجلة التّنفيذ، وسُرعة الأداء عَبر مربّعات لفظيّة، ليس آخرها «لا تُؤجِّل عَمل اليوم إلى الغَد»، رَغم كُلّ ذَلك إلَّا أنّ عَقليّة العَربي تَصرّ على أنّ تَأجيل العمل إلى الغد فيه «بركة» وفي السّرعة «النّدامة»!! تأمّل الخطابات العربيّة كلّها، الكُلّ ينتظر «صلاح الدّين» آخر، أو «نُسخة ثَانية» مِن «خالد بن الوليد»، أو حَاكمًا يَملأ الأرض عَدلًا..! لماذا نُجيد – ببراعة عَالية – تَأجيل الحياة، وتَأخير الفَرح، وإرجَاء السّعادة..؟! لماذا يَبقى العَرب أسرى «عودة» هذا الرّجل، أو «ظهور» ذَاك، وكأنّهم «عصابة مِن العميان»، لا يَسيرون إلَّا «بقائد»، أو مِن خلال أضواء «مُرشد»، أو على سراج «إمام»..؟! ألم يحقّق الإسلام، ومِن قبله الدّيانات الأخرى للمرء استقلاليّته، وحقّه في تَقرير مَصيره، على اعتباره مَسؤولًا عن هذا الاختيار «وهَديناه النّجدين»؟، ولم تَربط الأديان هذه العلاقات برجلٍٍ صَالح، أو قَائدٍٍ طالِح، بل رُبط الأمر «مُباشرة» بربِّ العَالمين الذي يَعلم السِّر وأخفَى..! لا أظنّ أنّ الرّئيس الأمريكي أو الاستعمار أو أيّ حكومة لها عَلاقة بهذا «الكساح العَقلي»، المُتمثّل في «تَأجيل» وتَعاطي «ثَقافة الانتظار»، التي تَنتشر في الأمّة العربيّة كانتشار البَعوض في أدغال إفريقيا..! ولا أظنّ التّعليم يَتحمّل المُشكلة أيضًا، لأنّ «كِبار» مُتعاطي ثَقافة الانتظار هُم مِن خَرّيجي أكبر الجَامعات العربيّة، لذا يَستوي في ذَلك الجَاهل والعَالِم، وربّما يكون الجاهل أفضل، وأقلّ تَعاطيًا، لأنّ جهله يَجعله يَتعاطى الحياة بشيءٍ مِن «المنفعة»، أو كما هي مُفردة بني ليبرال «البراغماتيّة». وثَقافة الانتظار لا تَنتهي عِند هَذا الحدّ، بل تطمح دائمًا إلى «سقوط الآخرين»، بمعنى أنّ العربي تكرّست لديه فِكرة، بأنّه لن يَستقيم حاله حتّى تسقط أمريكا، ويا للعجب حين فَرح البشر اليعربيّون بسقوط الرَّئيس الأمريكي السَّابق «جورج بوش الابن» في الانتخابات الأخيرة، وكأنّ هذا السّقوط «حلٌّ لكُلِّ المشاكل العربيّة».. حقًّا دائمًا ما تَكون أحلام الصِّغار صَغيرة، في حين تبدو طموحات الكِبار كَبيرة مِثلهم. لأنّ العربي يَقيس نظام الدّولة في العَالَم الغربي بنَفس مقياسه لها في العَالَم الشّرقي، بحيثُ يَربط النّظام بشخص، أو مجموعة أشخاص، وما دَرى أنّ الوضع مختلف في الغرب عنه في الشّرق، بحيثُ أنّ النّظام فيه يخضع لخطّة مرسومة، وما الأفراد إلَّا مُنفّذون لهذه الخطّة، فالموظّف السّياسي في الغرب «عجلة» تدور في قَاطرة كبيرة، وقد تَتغيّر «العجلة»، والقَاطرة تُواصل سيرها حتّى تَبلغ هدفها..! ويُمكننا اختصار فِكرة هذا المَقال في قصّة العربي السّاذج، ذلك الذي دعا ربّه قَائلًا: «اللّهمّ أغْنِ فلانًا حتّى استدين منه»! فسمعه أحدهم فقَال له: «قل اللّهمّ ارزقني فذلك أسرع»! فردّ عليه الأعرابي: «مثلي قد لا يُستجاب دعاؤه»..!. أحمد عبدالرحمن العرفج [email protected]