(1) غواية على قارعة الإفك وفي زحمة الوجوه، كانت المدينة تخلع عريها، يتجمهر الأفاقون حول سرتها، يمسكون بالطهر يلبسونه طاقية الاختفاء، تتوارى الفضيلة احتجاجًا، توصد النوافذ المطلة على الحقيقة، وتتساقط القناديل كأوراق الخريف، ينهض علاء الدين بفانوسه العتيق يتخذ ركنًا قصيًّا على جادة الغواية، يضيء للشحاذين والبؤساء والمشردين الطريق إلى قلب صاحب الشرطة. (2) الغريب ارتسمت الدهشة على وجهه، أخذ يحدث نفسه بصوت خافت، يا إلهي: إنها لا تشبه المدن الأخرى، ما لي أجد لهذه المدينة فكي تمساح وجسد غانية، لم أرَ لها عيونًا إلا عيون الزعيم خلف الغربال، فاغرة أفواه زيفها المنمق حينًا، وحينًا تحملق في الأنين الممتد في السكون، تحت سفور الهزيع الأخير من الليل. مسكينة هذه المدينة، قلبها وردة دمشقية وأطرافها شاحبة كالوباء، نهداها يرفلان بالفاقة الآسنة وصبابتها تلوك الحيرة، بين سيمفونيات بيتهوفن، ودندنات البعوض. (3) اقتراب ذات خميس عند أطراف الغروب، كنت أقترب مني، أتحسسني والروح في أروقتي المفضية إليك فأجدنا نرفرف في سماواتك المبثوثة بالبشرى، فأعود إليَّ ثانية، وتبقى الروح طائري الميمون، بين مطارات اللوعة ومرافئ الحنين إليك.