أثرت في زاويتي بجريدة المدينة بتاريخ 5/9/2009 في مقال بعنوان: (الأقربون أولى) فكرة طرحتها للنقاش في نفس الوقت في موقع «الحوار والإبداع» تدور حول تحويل العمل الخيري الذي يقوم به بعض رجال الأعمال السعوديين وبعض الجمعيات الخيرية السعودية ويذهب قدر كبير منه هدراً لا يستفيد أحد منه، تحويله إلى الداخل. فمع الإقرار بما تحمله النشاطات الخيرية التي تقوم بها عشرات من جمعيات البر السعودية لزوار بيت الله من المعتمرين والحجاج على مدار العام من معانٍ عظيمة، فإن مثل هذه الأعمال أولى بها أبناء البلاد من الفقراء والمساكين الذين تزايدت أعدادهم في السنوات الأخيرة نتيجة لقسوة الحياة وشظف العيش وتفاقم الظروف الاقتصادية والأزمة المالية العالمية التي انعكست بلا شك على كافة دول العالم بما فيها مملكتنا الحبيبة. وقد بنيت إقتراحي حول قول الله تعالى: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). (إبراهيم:37)، وقد استجاب سبحانه وتعالى لدعاء خليله سيدنا إبراهيم عليه السلام. فرزق هاجر وابنها إسماعيل الأنيس والونيس. والطعام الكثير، والشراب الوفير حتى أصبحت مكة تستقبل جميع المحاصيل الزراعية، والفواكه، وكل متطلبات العيش على مدار العام. لذا فإن دخول الجمعيات الخيرية ورجال الخير من تجارنا جزاهم الله الخير الوفير بأعمالهم الخيرية من شراب وطعام وكساء وغيرها من نشاطات توزع مجاناً على الزوار والمعتمرين وحجاج بيت الله يحرم أهل مكة وتجارها من مصدر رزق حباهم به الله تعالى دون غيرهم من عباده. حيث يعتبر الحج والزيارة والعمرة مصدر دخل هام للقائمين على أمور الحج والعاملين على خدمة الحجاج وتهيئة إتمامهم فريضة الحج على الوجه الكامل لنسبة ضخمة من أهل مكةالمكرمةوالمدينة المنورة وبالطبع مدينة جدة. وقد أخذ الصديق الدكتور فواز العلمي في مقاله بعنوان: (الحج أعظم دخلاً من النفط) الذي نشره في صحيفة الوطن: الاثنين، 11 أكتوبر 2010 إقتراحي عاليه خطوة إضافية حين رأى ضرورة «أن تقوم الهيئات العليا لكل من منطقتي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة بوضع سياسات استراتيجية محكمة للوصول إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية لمناسك الحج والعمرة والزيارة». وقد بنى الدكتور العلمي اقتراحه حول الآية الكريمة 28 من سورة الحج (ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، و«المنافع»، وفق تفسير ابن عباس، «هي منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان اللّه تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات». وكاقتصادي خبير حسب الدكتور فواز العلمي، الذي أحث القارئ للرجوع إلى مقاله الأصلي، أن هناك حوالى 960 مليون مسلم جاهز لأداء مناسك الحج مرة واحدة على الأقل كل 30 عاماً، أي بواقع 32 مليون حاج كل عام. هذا علاوة على إفتراض أن هنالك عدداً مماثلاً من المسلمين القادمين لأداء مناسك العمرة والزيارة على مدار السنة، وهو ما يجعل العدد الإجمالي للمسلمين القادمين للمملكة لأداء المناسك يساوي 64 مليون مسلم سنوياً. ويمضي الدكتور فواز العلمي في تحليله المثير إلى أن الدراسات العديدة تشير إلى أن متوسط مصروف كل حاج ومعتمر وزائر لأداء مناسكهم في الأراضي المقدسة يساوي 10,000 ريال، شاملاً وسائل النقل والإقامة والإعاشة، فإن الاقتصاد المحلي سيحقق دخلاً من مواسم الحج والعمرة والزيارة يساوي 640 مليار ريال سنوياً، ليزيد عن إجمالي إيرادات المملكة من النفط والغاز وغيرهما المقدرة بمبلغ 470 مليار ريال، كما جاء في الميزانية السنوية لعام 2010، والتي تعتبر أضخم ميزانية في تاريخ السعودية. وإذا أضفنا إلى هذا مجمل ما ينفقه الحاج أو المعتمر أو الزائر على الإقامة والسكن والنقل الجوي والتغذية والملابس والوقود والمحروقات والإتصالات والنقل البري والبحري والصحة والخدمات الأخرى، ناهيك عن ما ينفقه هؤلاء على الهدايا التي تمنحه الذكرى العطرة لمناسكه في البلاد المقدسة، فإننا أمام فرصة اقتصادية لا يوجد مثلها في العالم. فمواسم الحج والعمرة والزيارة، كما يؤكد الدكتور العلمي، تنفرد بثبات معطياتها أمام كافة المتغيرات، ولأنها الفرصة الدائمة الوحيدة ما دامت الحياة تدب في بطن الأرض. ومن هذا المنطلق فإن هناك ضرورة لإعادة النظر في عمل الجمعيات الخيرية التي تشرف عليها لجنة السقاية والرفادة التي توزع أكثر من 7 ملايين وجبة جافة على ضيوف الرحمن، وأكثر من 700 ألف وجبة ساخنة علاوة على الفواكه والعصيرات والمياه الصحية وغيرها، وهو ما يحرم أهل مكة وتجارها من مصدر رزق هام سخره الله تعالى لهم . كما أن هناك ضرورة لدراسة اقتراح الدكتور فواز العلمي بالعمل على إحلال منتجاتنا الوطنية محل المنتجات الصينية والهندية التي تُغرق منطقتي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة حتى تكون أسواقنا مركزاً مرموقاً لتسويق منتجاتنا الوطنية التي تحقق متطلبات شعوب العالم الإسلامي وتخلّد ذكريات زيارتهم لهذه البلاد الطاهرة خلال مواسم الحج والعمرة والزيارة. * «من الضروري»، وفق ما يقوله الدكتور العلمي، «أن نبدأ بتخصيص المناطق الصناعية والخدمية القريبة من مشارف منطقتي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وتشجيع المنتجات الوطنية الهادفة لتوفير متطلبات الحج والعمرة والزيارة. ومن الضروري أن نبدأ بحصر أنواع المنتجات الصناعية التي يتطلبها الحاج والمعتمر والزائر وتوفير دراسات الجدوى الاقتصادية لتصنيعها وتشجيع رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية على الاستثمار في إنتاجها وتسويقها». * ومن الضروري، كما يري الدكتور العلمي، «أن تقوم الهيئات العليا لكل من منطقتي مكة المكرمةوالمدينةالمنورة بوضع سياسات استراتيجية محكمة للوصول إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية لمناسك الحج والعمرة والزيارة، بدءا بتحديث ورفع القدرات الاستيعابية للمطارات الدولية ومرافق الخدمات الأساسية والفنادق والمباني السكنية، لتصل نسبة إشغالها إلى 100% على مدار السنة. * «وبإمكان منطقة مكةالمكرمة»، كما يقول الدكتور العلمي، «أن تكون موطناً لأفضل الصناعات الغذائية والجلدية والمعدنية، وبإمكان منطقة المدينةالمنورة أن تصبح محطةً لأكثر تقنيات العالم تقدماً وأعظمها دخلاً. وإذا كان متوسط إنفاق مليوني حاج ومعتمر يصل إلى 35 مليار ريال في موسم واحد، فلنا أن نتصور مقدار إنفاق 64 مليون حاج ومعتمر في العام الواحد». وهكذا .. فإن الحج رغم أنه عبادة للحجاج الذين يقدمون إلى مكةالمكرمة ليؤدوا مناسكه، فهو فرصة اقتصادية حللها الله للقائمين على شؤون الحج وجعلها مصدر رزق مشروع لهم. ولعل شرط «الاستطاعة» وتعني: الاستطاعة البدنية والمالية والأمنية، وهي القدرة على الوصول إلى مكة لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (آل عمران الآية 97) هو من أهم شروط الحج. والتي يأتي على قمتها الامكانية المالية. لذا فإن الحج يجب أن يكون من حر مال المقبل على الحج يصرفه في مسالك الحج ومناسكه. والضابط في ذلك أنّه يلزم أن يكون المكلّف على حالةٍ لا يخشى معها على نفسه ومن يعولهم من العوز والفقر بسبب الخروج إلى الحجّ، أو بسبب صرف ما عنده من المال في سبيله. وليس في استفادة القائمين على شؤون الحج وخدمة الحجاج خروجاً عن أصول وأساسيات الحج، بل هو رخصة إلهية خص بها الله تعالى ذرية إبراهيم عليه السلام حين استجاب إلى دعائه (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). (إبراهيم:37).