في رمضان الماضي قام أحد الآباء متوسطي الدخل بعرض موضوع أمام أبنائه وبناته، فخيرهم بين أمرين لا يستطيع تحمل تكاليفهما معًا، إما ملابس العيد أو السفر إلى إحدى المناطق الساحلية، وبما أن الأسرة لم تسافر منذ زمن اختاروا طبعًا أن يسافروا مع بعضهم بضعة أيام ويجددوا حياتهم وإن خسروا حضور العيد في (عزيمة) رسمية مع الأقارب لن تستغرق إلا ساعات. إن هذا الأب الواعي نمى لدى أبنائه مهارة مميزة، مهارة اختيار الأفضل بدل الجيد، وتقديم الأهم على المهم، ومعرفة أنك لن تستطيع أن تحصل على كل شيء في نفس الوقت، كما يقول المثل –الذي تردده أمي باستمرار- (ما تجتمع مصلحتين إلا بترك وحدة!) فالكثيرون لا يدركون أحيانًا حجم الخسارة التي يجنونها عندما يتمسكون بمكاسب بسيطة لن يضرهم فقدانها كثيرًا أمام ما سيكسبونه من التخلص منها، مثل مدمن التدخين الذي يقدم متعته اللحظية وراحته الحالية على الصحة والنشاط الذي سيجنيه لو أقلع عنه، أو بعض المتزوجين الذين يفضلون صرف الآلاف على حفلة ليلة العرس ثم لا يملكون بعدها ما يكفي من المال ليسافرا مع بعضهما!! هل وقفت مرة في الشارع تحت المصباح ثم حاولت أن ترى النجوم في السماء؟ إنك بالتأكيد لن تستطيع أن تراها، فضوء المصباح القوي والقريب سيغطي على ضوء آلاف النجوم البعيدة، نحن فعلًا نحتاج أحيانًا إلى المصباح الصناعي ليضيء لنا طريقنا، لكنه يعيقنا عن النظر لما هو أجمل ولما هو باقي ولما هو حقيقي، إن سكان المناطق الريفية أو البدو لا يملكون مصابيح، لكنهم استطاعوا أن يتعايشوا مع ضوء القمر والنجوم، فكانت أبصارهم أقوى وتعلموا مواقع النجوم ولم يصبحوا تحت رحمة ذلك المصباح الذي لو انقطعت عنه الكهرباء لانطفأ وأضعنا الطريق!!. إن أحد أهم عوائق التغيير الفعال هو التمسك بالمكاسب الصغيرة، فلابد أحيانا أن تضحي بما يريحك لتحصل على ما تحلم به (وربما يعطيك راحة أكبر فيما بعد)، قد تضحي بالوقت أو النوم أو المال أو الجهد أو حتى تضحي بحياتك ( في سبيل قضية تستحق التضحية) ولكن النتيجة ستجلب لك مكاسب أكبر ورضًا أعظم. لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا ومن اختار متعة النوم واللعب حرم لذة السهر والنجاح. خلود محمد - جدة