اعتبر نقاد وأدباء عرب أن فوز البيروفي ماريو فرجاس يوسا بجائزة نوبل للآداب يعد خروجًا على مركزية وتقليدية الجائزة، مؤكدين أن فرجاس نالها عن جدارة واستحقاق لما يمتلكه من أدوات كتابية وأفكار كثيرة تحوي داخلها تقنيات أدبية عديدة واهتمامات تاريخية ولغة اصطلاحية رصينة ومفردات من البيئة، ومعجمًا خاصًّا به، وأسلوبًا فريدًا، ميّزه عن أقرانه، وأهله لأن يكون مرشحًا لنيل جائزة نوبل في أعوام عديدة ماضية. مشيرين إلى أنه على الرغم من أن الجائزة تحكمها الأوضاع السياسية في كثير من الأحيان، ويتم منحها لمن لا يستحقها؛ فإن هذه المرة خرجت من دائرة السلطوية إلى الإنصاف. عصفور: ظل يحمل حنينًا “الرؤساء” في استهلال حديثه أوضح الدكتور جابر عصفور رئيس المركز القومي للترجمة بالقاهرة أن المركز سيعيد طرح نسخ جديدة من الترجمات العربية، التي صدرت لأعمال ماريو فرجاس يوسا الحاصل على نوبل للآداب، مشيرًا إلى أن المركز سبق أن أصدر ليوسا رواية “الجراء” ضمن سلسلة الإبداع القصصي عام 1967 و “الرؤساء”؛ وهي مجموعة من القصص القصيرة كتبها عام 1956. مبينًا أن ماريو يوسا يعد من أشهر الكُتّاب المعاصرين في البلاد الناطقة بالإسبانية، ولديه نتاج ضخم من الأعمال الروائية التي تحوي داخلها تقنيات أدبية عديدة واهتمامات تاريخية ولغة اصطلاحية رصينة ومفردات من البيئة، ومعجمًا خاصا به، وأسلوبًا فريدًا، ميزه عن أقرانه، وجعله مرشحًا لنيل جائزة نوبل في الأدب أعوامًا كثيرة. ماضيًا إلى القول: إن مسيرة ماريو يوسا مع الإبداع بدأت عندما نشرت مجموعته الرؤساء عام 1956 في إسبانيا، وفاز بها بجائزة ليوبولدو ألاس، كما فازت إحدي قصص المجموعة بجائزة مجلة فرنسية، وكانت الجائزة رحلة إلى باريس لمدة خمسة عشر يومًا، وكان قبل ذلك قد كتب مسرحيته “هروب الإنكا”، ومثلت على خشبة المسرح عام1952، وكانت مجموعة “الرؤساء” هي الأولى والأخيرة في مسيرة يوسا الإبداعية، الذي تفرّغ فيما بعد لكتابة الرواية والمسرح؛ لكنه ظلّ يحمل حنينًا خاصًّا لهذه المجموعة، لأنها كتبت في أصعب فترات حياته، حين كان يبحث عن لقمة العيش، كما أن هذه المجموعة ظهرت عبر موضوعات أخرى في أعماله اللاحقة، لذلك كان يعتبرها يوسا عالمًا مصغرًا لبقية أعماله، وفي بعض قصص المجموعة استوحى “يوسا” عالم المدرسة، الذي استمده من تجربته الذاتية عندما التحق بإحدى المدارس العسكرية، وهو يتبنى في أعماله الواقعية التي تتضمن إلى جانب ذلك واقعًا متخيلاً، وكان يوسا يلتقط أنفاسه بعد ما أنهى روايته “المنزل الأخضر” عام 1965، وقبل أن يشرع في كتابة روايته الثالثة، قرر كتابة قصة كانت تجول في خاطره منذ زمن، وبالفعل انتهى من كتابة “الجراء” التي ظهرت طبعتها عام 1967، والحادثة المركزية في القصة حدثت بالفعل في بيرو، وقرأها يوسا خبرًا في الجرائد، وأخذ الموضوع يتبلور في ذهنه إلى أن خرج للنور في شكل قصة قصيرة طويلة. قنديل: تمنيتها عربية ومن جانبه أبدى الأديب والروائي فؤاد قنديل أمين عام جائزة إحسان عبدالقدوس إعجابه الشديد لفوز الأديب والكاتب ماريو فرجاس يوسا، حيث تفاجأ بفوز الكاتب البيروفي، وعلم بالخبر من خلال اتصال “الأربعاء” به، مردفًا بقوله: أخيرًا ذهبت الجائزة لمن يستحقها.. فهذا الرجل يستحق نوبل، فهو كاتب وروائي كبير، ومنحه جائزة نوبل للآداب أعتبره تصحيحًا لوضع كان قد تأخّر كثيرًا، فهو كاتب على درجة كبيرة وعالية من الإبداع والموهبة، وأثرى المكتبة العالمية في عالم الرواية والقصة بأعمال لافتة ومميزة. ويضيف قنديل: لقد توقّعت فوز فرجاس بجائزة نوبل للآداب على مدى السنوات العشر الماضية، وكنت أرشحه بيني وبين نفسي ضمن كوكبة كبيرة من الكتاب، لكن الغريب أنه لم يكن مرشحًا في عديد من السنوات، وها هو يفوز اليوم فيعتدل الميزان قليلًا. وصحيح أنني كنت أتمنى أن تعود نوبل للعرب بعد 22 عامًا، لأن هناك من الكُتّاب العرب من يستحقها عن جدارة واستحقاق، لكن لا نستطيع أن نفرض على أحد شيئًا، بالإضافة لاقتناعنا الموضوعي أن هناك عددًا كبيرًا من الكُتّاب في شرق العالم وغربه يستحقون الجائزة؛ لذلك لا أستشعر مرارة بسبب غياب العرب هذه السنة عنها، فتهنئة حارة للأدب البيروفي، وخاصة للكاتب ماريو فرجاس، ولعل الحظ يكون عربيًّا في السنوات المقبلة. ونفى قنديل ممارسة أي نوع من الحجب للأدباء الأفارقة عن الجائزة في سياق قوله: ليس هناك استبعاد للأدباء الأفارقة عن جائزة نوبل؛ حيث إن العالم يزدحم بالكُتّاب والأدباء الكبار، في الوقت الذي يوجد فيه أيضًا 20 كاتبًا من أدباء العالم يستحقون الجائزة من اليابان والولايات المتحدة وشيلي وأوروبا ومن غيرها من البلاد والقارات، ومن أفريقيا جنوب الصحراء.. إذن هناك زحام شديد ممن يستحقون الجائزة، ولذلك عندما تختار اللجنة كاتبًا يستحق فلا غضاضة في هذا. لكننا نشعر بالاستياء فقط عندما يفوز كاتب متوسط الموهبة، ولكن لأسباب سياسية، أما هذه المرة فإن الجائزة وصلت لمن يستحقها. سلماوي: رمز لارتباط الأدب بالمجتمع ووصف رئيس اتحاد الكُتّاب العرب محمد سلماوي يوسا بأنه من الكتاب العالميين المرموقين الذي يتميز بإسهامه الكبير في الحياة العامة. ماضيًا إلى القول: لقد تم ترشيح يوسا عدة مرات لرئاسة بلده، ولكن لم يحالفه الحظ، وهذا لاهتمامه الشديد بالحياة العامة، فلم يقتصر عمله على الأدب وحده، بل كان دائمًا ما يمثل رمزًا لارتباط الأدب بالمجتمع، وارتباط الأديب بقضاياه، ليس فقط من خلال الكتابة، وإنما من خلال المشاركة في العمل العام. وقد قابلته عدة مرات كانت إحداها في القاهرة عندما زارها قبل عشر سنوات، وحسب شروط الجائزة فإن الفائز بنوبل لا بد أن يكون قد ترك تأثيرًا كبيرًا على وجدان الناس، وهو شرط لا يتأتى إلا للكُتّاب الكبار، لذلك من يفوز بنوبل لا ينالها إلا في نهاية حياته، بعد أن يكون قد أثرى الإنسانية بالتراكم الإبداعي عبر سنوات حياته. ويختم سلماوي بالإشارة إلى غزارة إنتاج يوسا وتنوّعه، فكتب عن البسطاء وعن غيرهم، وانصبّ اهتمامه على قضايا الحرية وحقوق الإنسان، وغيرها من القيم والمثل التي أثرت أدبه وقدمته للمجتمع الإنساني بوصفه أديبًا مدافعًا ومتحدثًا عنها. التلاوي: نوبل خرجت من السلطوية ويرى الناقد والروائي الدكتور جمال التلاوي أن جائزة نوبل للآداب في هذا العام خرجت من السلطوية ومن دائرة المركزية الأمريكية والأوروبية التقليدية إلى العالم الثالث، وهذا جديد في حد ذاته على الأقل سيمنح فرصة لأن يقرأ أدب بيرو ليس فقط على مستوى الأديب نفسه بقدر إطلاق العنان واطلاع العالم لترجمات بيرو وحضارتها وثقافتها كاملة، بالإضافة إلى أن بيرو ستدخل ضمن دائرة اهتمام الترجمات العربية والعالمية لتتعرف على أدبه وهو أدب جديد علينا، لافتًا إلى أنه عندما فاز الأديب نجيب محفوظ بالجائزة عمّت فائدتها على الأدب العربي بأكمله وليس مصر فقط. وأضاف التلاوي: هناك أبعاد سياسية تراعى عند منح هذه الجائزة ليس نوبل الآداب فقط، وإنما أيضًا على فروع الجائزة، ولكن هناك من يستحقون ولا يفوزون وهناك من يفوزون ولا يستحقون خلال عقود ماضية وربما تمتد إلى عقد آخر نظرًا للظروف السياسية المعقدة. أبو أحمد: فضح المجتمع الأمريكي وأشار الناقد الأدبي حامد أبو أحمد إلى أن الروائي البيروفي يستحق الجائزة عن جدارة، وليس غريبًا فوزه بالجائزة ويكفي روايته الأخيرة التي اخترقت حاجز الحرية التي تفضح المجتمع الأمريكي، الذي يعاني من فساد واضح يبيح لنفسه القتل والجنس، وهو ما يعود للتعبير عنه في الرواية الثانية “البيت الأخضر” الذي يرمز للقارات الأمريكية عمومًا وهو بيت سيئ السمعة يجتذب الفتيات البريئات فتموت داخله كل عاطفة إنسانية شريفة. وأشار أبو أحمد إلى أن ما يميز الروائي البيروفي واقعيته في الكتابة والسرد القصصي وعشقه لعالم الكتابة كوسيلة للتعبير عما يعانيه المجتمع، فاستحقت جائزة نوبل هذه المرة أن تكون منصفة.