إن الأغلبية – من مفكرينا – الذين انبهروا بالنموذج الثقافي الغربي في مطالع حياتهم الفكرية كان انبهارهم هذا نابعا من الاجتهاد الخاطئ وليس من العمالة الحضارية أو العداء للإسلام .. لقد رأوا الضعف والركاكة والجمود والتقليد الذي ساد فكرية الدولة العثمانية في مرحلة شيخوختها فحسبوا ذلك علي الإسلام ورأوا " الزينة" التي عرض بها الاستعمار النموذج الثقافي الغربي – ولم يكن قد شاعت فيه بعد سوءات الحداثة وما بعد الحداثة – فانبهروا بهذا النموذج وساروا في طريق تقليده بدلا من أن يعملوا علي تجديد الإسلام لتتجدد به حضارة المسلمين وثقافتهم ومدينتهم .. لقد ظنوا أن استعارة النموذج الحضاري الغربي بكامله هو السبيل إلي التقدم كما تقدم به الغرب – بل وحسبوا أن ذلك هو الطريق لاستعادة السيادة الوطنية التي اغتصبها الاستعمار . لكن وجود مدرسة الإحياء والتجديد التي بدأت برفاعة الطهطاوي 1216-1290 ه ) والتي بلور منهاجها وقاد مسيرتها جمال الدين الأفغاني( 1254-1314ه - 1838 : 1897 م والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده 1266-1323 ه -1849-1905 م ونجاح هذه المدرسة الإحيائية التجديدية في تكوين أجيال من العلماء الإعلام الذين جددوا الإسلام ملئوا بفكرهم وإبداعاتهم مساحات كبيرة من الفراغ الذي كان يتمدد فيه التغريب وقيادة عدد من هؤلاء العلماء المجددين دعوات الإصلاح والنهوض علي امتداد عالم الإسلام . إن وجود هذه المدرسة الإحيائية التجديدية وبروز منهاجها كطريق ثالث بين " الجمود " و " التغريب " قد اجتذب العديد من المنبهرين بالنموذج الثقافي الغربي فعادوا في مرحلة نضجهم الفكري إلي أحضان الإسلام وأبدعوا في ميادين الفكر الإسلامي الآثار الفكرية التي تزدان بها مكتبتنا الثقافي حتى هذه اللحظات . فالدكتور طه حسين الذي بدأ متمرداً على المناهج الإسلامية ومبشراً بالنموذج الغربي بحلوه ومره خيره وشره ما يحب منه وما يكره ما يحمد منه وما يعاب والذي بلغ به الجموح لهذه المرحلة حد الدعوي إلي علمنة الإسلام بل والتشكيك في واقعية بعض القصص الديني والتاريخي في القرآن الكريم والزعم بأن العقل الشرقي هو عقل يوناني أوربي وأن الإسلام والقرآن لم يغيرا من يونانية هذا العقل الشرقي ، كما أن المسيحية والإنجيل لم يغيرا من يونانية العقل الأوروبي لأنه لا فارق بين القرآن والإنجيل . طه حسين هذا قد آب في مرحلة نضجه الفكرى إلي أحضان الإسلام وعبرت إبداعاته عن العلاقة الحميمة التي تربطه بكامل الإسلام . فبعد التشكيك في واقعية بعض القصص القرآني 1926 م وبعد الدعوة إلي فصل الدين عن السياسة والدولة .. نجد طه حسين في كتاباته عن الكلام العربي – يقسمه إلي : شعر .. نثر .. وقرآن معجز لا علاقة له بكلام البشر ونجده – في 1953م يدعو إلي أن ينص فى الدستور علي أن لا يصدر قانون يخالف القرآن الكريم وذلك احتراما لعقائد الأمة ، كل عقائد الأمة ، وحتى لا نكون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه الآخر .. ثم يصعد علي معراج الإياب إلي كامل الإسلام – في رحلته الحجازية 1955م – إلي اعتبار منزل الوحي هو الوطن المقدس الذي انشأ الأمة وكون العقل والقلب والذوق والعواطف وأوجد الهدي ويسر الخير وعرف المسلم علي نفسه وجعله عضوا صالحا مصلحا في هذا العالم الذي نعيش فيه . وأن هذا " الوطن المقدس" ، " وطن الدين " " منزل الوحي " قد صنع كل ذلك لكل المسلمين علي اختلاف الأوطان التي نشأوا فيه .