نظام الكفيل هو كما قلت من قبل، نظام شائك لا يقل في حساسيته عن قضايا البطالة التي يعاني منها كثير من الشباب السعودي، وهو ما انعكس في ردود الفعل المتباينة التي تلقيتها حول مقالي عن نظام الكفيل الذي نُشر يوم الخميس 30 سبتمبر الماضي. وإذا كنت قد وجدت في هذه الردود بعض السلبية فأرجو ألا تنعكس هذه الروح على وزير عملنا الجديد المهندس عادل فقيه الذي نرجو أن يقتبس من سلفه الوزير القصيبي تفاؤله ويدع شاعريته يتغنى بها غيره. فإذا كنا سنعذره على عدم “قرض” الشعر فإننا لن نعذره قطعًا على عدم “طرد” البطالة وازدياد نسبتها بين شبابنا المؤهل للعمل.وعدا بعض الآراء الشاذة التي يمثلهم الرأي الذي يقول صاحبه بأنه “لا داعي لإلغاء الكفالة واللي مو عاجبه يرجع لبلده” أو الآخر الذي يرى العلة في “المتجنسين” الذين أخذوا الجنسية من أجل المال وليس حبًا في الوطن لكان هذا البلد ينعم بالخير والأمن والاستقرار؟! فقد وجدت شبه اتفاق في تعليقات القراء على ضرورة إعادة النظر في نظام الكفالة على الوجه القائم حاليًا. ورغم أن هناك فئة لا ترى إلغاء نظام الكفالة بل تنظيمها وتطويرها بحيث يعرف الجميع حقوقهم وواجباتهم، ويضمن للعامل المقيم الحصول على حقوقه وضمان الحياة الكريمة لهم. فإن هناك اتفاقًا بأن نظام الكفالة القائم يحقق مصالح المنتفعين من إبقاء نظام الكفالة على حاله حيث يعتبر لدى البعض كنزًا لا ينضب يجلب عليهم مئات الملايين على حساب كل من العمال والمواطنين. فهؤلاء هم، كما يُقال في الأمثلة الشعبية، “كالمنشار .. طالع ياكل .. نازل ياكل”. ويرى الصديق محمد سندي في مداخلة على صفحتي في (الفيس بوك) أن نظام الكفالة يتيح نوعًا من أنواع السخرة “وأعني بذلك استغلال الكفيل لجهد وعرق المكفول وليس خافيًا عليك أن البعض يكفل أحدهم مقابل مبلغ شهري مقطوع سواء عمل المكفول أم لا وهو بالتأكيد شيء غير مستحسن والحقيقة أن دولنا الخليجية هي الوحيدة التي تفرض على العمالة نوعًا من الكفالة وهو موضوع كما قلت شائك ومعقد”. ويشير الدكتور عبدالرحمن العناد عضو مجلس الشوري في مداخلة له على صفحتي في (الفيس بوك) إلى أن قرار مجلس الوزراء رقم 166 وتاريخ 12/4/1421ه ألغى مصطلح كفيل ومكفول، واستبدلهما بالعامل وصاحب العمل، كما منع القرار الاحتفاظ بجواز العامل وعائلته، ومنحهما حرية التنقل داخل المملكة وأشياء أخرى... لكن القرار ما زال حبرًا على ورق. كما أشار الدكتور العناد إلى أن قرار مجلس الوزراء رقم 166 وتاريخ 12/7/1421ه الذي أكد في مادته السادسة على الجهات المختصة بالحزم مع كل صاحب عمل يتسبب في تعليق أوضاع العمالة الوافدة المسجلة عليه النظامية أو المالية، أو يعمل على تأخير سداد أجورها أو مستحقاتها أو أخذ مبالغ مالية مقابل إنهاء إجراءاتها. كما أن هذا القرار قد تضمن أيضًا العديد من الأمور لصالح العامل ومنها: * السماح للعامل بالتنقل بحرية داخل المملكة ما دام يحمل رخصة إقامة سارية المفعول.
* السماح للعامل بمراجعة الجهات الحكومية وغيرها للحصول على الخدمات التي توفر له ولعائلته مثل: إصدار رخص القيادة وشراء السيارات والحصول على الهاتف وغير ذلك دون شرط الحصول على موافقة صاحب العمل. * لا يجوز لصاحب العمل أن يحتفظ بجواز سفر العامل الوافد أو جوازات سفر أفراد عائلته. إلا أنه يلاحظ عدم تطبيق هذه التعليمات والقرارات وتظل المشكلة بحاجة إلى علاج شامل وكامل، فالسلبيات الناتجة عن نظام الكفالة ما زالت قائمة وقد ورد إلى الجمعية العديد منها، وتوصي الجمعية بإلغاء نظام الكفالة وبالبحث عن حلول أخرى تكفل للعامل الأجنبي حقوقه الأساسية لا سيما أن نظام الكفالة يتنافى مع المبادئ السامية للشريعة الإسلامية التي كفلت تكريم الإنسان مما يجعل قواعد الكفالة غير دستورية نظرًا لأن قواعد الشريعة، وتحديدًا القرآن والسنة، هما دستور البلاد عملًا بما نصت عليه المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم. فضلًا عن كون أسلوب الكفالة يناقض التزامات المملكة الدولية والمنبثقة عما وقعته وصادقت عليه من اتفاقيات دولية، ويسيء إلى سمعة المملكة، ولا يحقق إلا مصلحة لبعض المواطنين الذين استغلوه استغلالًا سيئًا. وهكذا ومع تشعب قضايا العمالة وأهمية متابعتها بشكل يقضي على مثالبها وسلبياتها فقد يكون هناك ضرورة، كما يقول معالي الدكتور بندر الحجار نائب رئيس مجلس الشورى، (رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان) آنذاك، “لوجود جهاز واحد تتجمع لديه شؤون العمالة الوافدة كافة بدلًا من تشتيت الصلاحيات الراهنة بين وزارة العمل وأجهزة وزارة الداخلية وجهات حكومية أخرى، وإلغاء أسلوب الكفيل سواء كان فردًا أو شركة، وإعداد الخطط والبرامج الخاصة بالعمالة الوافدة وبسوق العمل، وتطبيق نظام الإقامة وإصدار اللوائح التنظيمية والتعاميم المنظمة لشؤون العمالة الوافدة، وترسيخ هدف تحقيق الصالح العام من خلال نزع صلاحيات الكفيل الراهنة، ووجود جهاز واحد ينظم كل مراحل علاقة العامل الوافد بالدولة منذ قدومه إلى المملكة، مرورًا بإقامته فيها وحتى رحيله عنها. وقد حمل مسمى الجهاز المقترح الذي تبنته دراسة قامت بها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ورفعت للمقام السامي منذ سنوات مُسمى “هيئة شؤون العمالة الوافدة”. وهي هيئة حكومية ذات شخصية اعتبارية للإشراف على جميع أوضاع وشؤون العمالة الوافدة، وتلغي دور الكفيل التقليدي. وتتبع الهيئة المقترحة وزارة العمل التي تملك صلاحية واختصاصًا أصيلًا في تنظيم سوق العمل في المملكة. ويرأس وزير العمل جهاز الهيئة المقترح، على أن يتم تعيين أمين عام يمثل المدير التنفيذي للهيئة بموجب قرار من مجلس الوزراء من بين مرشحين تقترحهم وزارة العمل، إذ يتكون مجلس الإدارة من ممثلين عن وزارات: العمل، الداخلية، التجارة، المالية، والصحة، إضافة إلى حقوق الإنسان، وشركات الاستقدام، وممثل عن قطاع الأعمال في مجلس الغرف التجارية.