أسبوع العيد الماضي كان حافلاً بأخبار طازجة مليئة (بالكريسي) والمشاجرات، ودخول رجال الأمن في كل مكان، عند الحرم المكي، وفي المطارات، وفي المستشفيات، وفي تجمعات اليوم الوطني! المواقف تقول إن الناس صارت تستخدم لغة الضرب باليد كتعبير عفوي عن الإهمال و(التطنيش)، بعد الانتهاء من بقايا شحنات شهر الصبر! ومد اليد لم يكن محصورًا على أصحاب السكر والضغط، بل الأمر صار (كوكتيل) من الجميع، ومن لم يمت حنقًا باللسان الطويل، مات بغيره (أي باللطم)! ونحن نعرف أن مجتمعنا السعودي لدى كثير من أبنائه (القابلية للعناد)، حيث تحول هذا العناد من قوة كامنة داخلية إلى ممارسات مشحونة، مع آخر صيحات السب والشتيمة. إن هذه الإفرازات المتكررة على جميع الأصعدة، توضح أن ثمة مزيدًا من حالات الاحتقان والعنف الداخلي بين أبناء المجتمع، وأنه رغم التطور وسيادة نظام الاحترام في العالم المتحضر، انقلبنا نحن ضد هذا التطور، وصار الناس في تلك الدول (ينقص) بينهم العنف، بينما نحن (نزودي) في العيار! ولو جلنا بعين واحدة، وتركنا الأخرى منقبة لبان عوارنا، فكيف إذا فتحناهما جميعًا؟! ومن ذلك ارتفاع حالات الطلاق في السعودية كل ثلاث دقائق، وأن أعلى نسبة (شجار) مسجلة في الشرطة في شهر رمضان، وأن قرابة (134) حالة مسجلة في منطقة مكةالمكرمة أشرف بقاع الأرض عن عنف تجاه الفتيات؛ ممّا أدى لهروبهن من بيوتهن... وهلم جرا. إن هذه الأرقام تعطي مؤشرات أولية وحقيقية على حالة الانفصام المتباين بين ما هو سائد من قيم نظرية، وبقايا تماسكات مجتمعية، وبين الانفعالات التي تخيب ظننا في القدرة على بناء المجتمع من الداخل! ورحم الله الإمام الطاهر بن عاشور، عندما ذكر في تفسير قوله تعالى “واضربوهن ...” [النساء: 34] بإنه ليس إذنًا عامًّا للضرب، إنما هو لحالة معينة، لو مورست بغير ضوابطها لوجب على القاضي تعزير الزوج! فكيف لو طُبق هذا التعزير القضائي على كل من مدَّ يده، وتسبب بالضرب المبرح في المستشفيات والمطارات واليوم الوطني؟! إنه لا حل (لثقافة الفوضى والضرب)، وفضيحة وجهنا الحضاري الذي بدأ يتآكل، إلاّ بسيادة نظام محترم، ليس فيه أي مجال للمحسوبية، ولا للمادية، ولا للشللية، ولا للشعارات الوهمية!! [email protected]