كل مفكر وكاتب في فضائنا الثقافي والإعلامي يرى أنه يقف في منتصف المسافة بين أطياف المجتمع، ويرى أنه وحده مَن يستحق لقب (المُنصِف). والواقع يشهد (بضمور) ميزة الإنصاف هذه بدرجات متفاوتة من شخص لآخر. والمتتبع لكتابات الدكتور حمزة المزيني يجدها متأرجحة بين الإنصاف والإجحاف. وكما قلت فإن الإنصاف الذي يلوِّح به بعض كُتَّابنا -ومنهم المزيني- سرعان ما يُحيَّد في بعض المواقف التي تتغلب فيها ذاتية الكاتب على موضوعيته. ففي مقال للمزيني بعنوان (لو أن غيرك قالها..) استنكر على الشيخ سلمان العودة تشبيه الشيعة بالأمم الكافرة حين احتفالهم (بيوم الغدير) متهمًا إيَّاه بأنه لجأ لخطاب (شعبوي) ممّا يؤسس لاتخاذ «مواقف عدائية من المواطنين المختلفين عنهم في الاختيارات المذهبية». وفي مقال له بعنوان (تجريم الكراهية) جاء عَقِب ما صدر من الشيخ العريفي بحق سماحة السيد السستاني دعا المزيني ل«سن القوانين التي تجرِّم استخدامها -يقصد الإهانات العرقية والمذهبية لضمائر الناس- خاصة أنها يمكن أن تتطور في بلداننا العربية والإسلامية لتكون أدوات لإذكاء الفتنة والتأسيس للفرقة بين أبناء الأمة الواحدة، بل الوطن الواحد». وفي مقال له بعنوان (مجاهيل الموقعين) يرد على أولئك الموقعين للبيان المعنون ب(بيان عن الحوثيين ونصرة بلاد الحرمين)، ويدعو لعدم «استغلال هذه الأزمة لتأجيج العداوات المذهبية، ومنها هذا البيان بمضامينه كلها». وفي مقال له بعنوان (عن التشدد الشيعي) جاء ردًّا على صدمة الكاتب (محمد آل الشيخ) من صمت المثقفين السعوديين الشيعة عن نقد بعض المسلمات الشيعية التي تسبب النزاع بين الطائفتين السنية والشيعية، أكد المزيني على أن علاج صدمة آل الشيخ لا تكون «بالتشنيع الذي يولِّد التنافر، بل في أن يبادر المثقفون التنويريون السعوديون السنة، إلى تشجيع المثقفين التنويريين السعوديين الشيعة بالانفتاح عليهم». إذن فالمزيني في القضايا السابقة جميعها يقف أمام (مُتَّهِم ومُتَّهَم)، ويخلص لدحض فرية المُتَّهِم، والعمل على تبرئة المُتَّهَم، وهذا ما ينبغي أن يقوم به كل منصف بحق البريئين، وكلنا نقف مع المزيني في الخندق ذاته والتوجه نفسه، وسنرى هل يتمثل هذا الإنصاف في مواقف مشابهة؟ واليوم نقف إزاء قضية جديدة، المُتَّهِم فيها (ياسر الحبيب)، والمُتَّهَم (أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-) وهناك طرف ثالث هم (المدافعون) عن عرضها. ومن خلال استقراء مقالات المزيني السابقة، ومعرفة موقفه (الصارم) من (المُتَّهِم) أيًّا كان، فإنه وبناء على ما سبق من معطيات فالمُتَوقَّع منه أن يقف الموقف نفسه من المُتَّهِم لعائشة -رضي الله عنها- لكن وللأسف نجد المزيني في مقاله الأخير (انتفاضة عائشة) لا يأتي حتى على اسم المُتَّهِم (الحبيب)، ولا يُبيّن عظيم فريته، وهو الذي -كما رأينا- أتى على اسم (العودة)، و(آل الشيخ)، ووصف الموقِّعين على البيان ب(المجاهيل)! واليوم لا يقف بوجه المُتَّهِم -كما عُرِف عنه- ولا ينتصر للمُتَّهَم، بل يَنْحَى بالقضية لمنحىً آخر تمثل في اشتغاله ببيان (22) ناشطًا سنيًّا من إدانة بعض علماء الشيعة لفرية الحبيب؛ ليجعل من الناشطِين (قضيته) الجديدة، كونهم مُتَّهِمِين ليقف مبينًا خطأهم بحق المُتَّهَمِين، وأنهم استغلوا هذه القضية «ليعودوا إلى خطابهم الإقصائي المعهود، والنبش في زوايا التاريخ المهملة عمّا يُشعل الفتنة ويؤجج الكراهية»! ويا له من حُكم (جائر)، حين يتغافل المزيني عن مُشعِل الفتنة فيتّهم الضحية ويبرِّئ الجلاد؛ ليصرف الأنظار عن أصل القضية! فقط -في مقاله الأخير- يحلم «بمستقبل لا تجد فيه هذه الكراهيات مستمِعًا فتندثر»، وكأني بالمزيني -في حُلُمه- نسي أو تناسى (مُصَدِّرَ) الفتنة الذي لن تتحقق معادلة (الاندثار) إلاّ ببيان جرمه. ويبقى السؤال معلّقًا: لماذا تلطف المزيني هذه المرة؟ وهل يمثل رأي العودة وغيره -عند المزيني- خطرًا على الدِّين والدنيا أكبر من خطورة قذف الحبيب لأم المؤمنين، وما يمثله من تعدٍّ على ذات الرسول صلى الله عليه وسلم، ورسالته الخالدة، ليتصدى لتلك، ويسكت عن هذه؟ [email protected]