كل أزواج سيدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بنص الكتاب هن أمهات المؤمنين. فالله يقول: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) فلهن ما للأمهات من التوقير والإجلال، والبر بهن من سائر المؤمنين، وهن على قيد الحياة واجب، ثم الأوجب والألزم الكف عن أذاهن بعد الممات، لذا فقد حرم الله عز وجل على المؤمنين التزوج بهن بعد وفاة سيد الخلق المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهن محرمات على المؤمنين على التأبيد، والرجل حتمًا لا يتزوج أمه، ومن مات -صلى الله عليه وسلم- وهن في عصمته، ممّن طالت عشرته لهن، وكن الأقرب إليه في حالاته، التي لا يطلع عليها من كل الخلق سواهن، فهن الأعلم بأحواله، ومعهن من اصطفى من قرابته وأهل بيته الطاهرين، وأصحابه الألصق به كأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- ومات وهو راضٍ عنهم، كل هؤلاء يجب على المسلم أن يحفظ لهم هذا القرب من سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ومن محبته الخالصة أن نحب من أحب، وألا نزعم ونحن عقلاء أسوياء انه -عليه الصلاة والسلام- أساء اختيار زوجة أو صاحب، ولم يكتشف له سوءة، حتى جاء بعضنا بعد قرون فزعم أن له مساوئ غفل عنها من أطلعه الله بوحي منه على أحوال من عاشروه، واكتشف منهم ما خفى عليهم من أحوالهم، تكاثرت على ذلك الأدلة وأنبأتنا بذلك سيرته، فهذا الذي يجري منذ نشأت هذه الفضائيات ذات الصبغة الطائفية، والتي أطل علينا منها طائفيون متعصبون، همهم تتبع عثرات المختلفين، والبناء عليها لما يفرق المسلمين، ويعيد الكراهية والبغضاء التي جرّت عليهم الاقتتال قديمًا إلى حاضرهم، يعيده إلى ساحتهم كل متعصب كاره لوحدة صفهم، غير راغب في تعايشهم رغم اختلافهم، وأزعم اليوم أن غالب هذه الفضائيات التي تنسب نفسها إلى الدين زورًا، وتحترف إشعال نار الفتن بين أعظم طائفتين من طوائف المسلمين، السنة والشيعة، قد جمعت من الآفاق المتعصبين من الطائفتين، المحترفين لإثارة جذوة النار التي اشتعلت لسبب سياسي، فحوّلها عشاق الفرقة إلى خلاف عقدي، ثم أضافوا إليه ما يدفع إلى تصاعده وتمكنه من النفوس، ليكون الشيء الوحيد الذي يشتغل به الناس، وليوقد نارًا تتقد ولا تخمد لها جذوة، فظهر بين الطائفتين التكفير والتبديع، وتلاه اللعن والدعاء بالويل والثبور، ثم جاء اليوم مَن يقيم الحفلات للشتم والسب والوقوع في أعراض أطهر الخلق جهارًا، ويأتينا من الغرب الخبر، ويتطوع في الشرق من يعيد بث هذا الصديد المنتن قناة تسمّي نفسها (صفا) وكل ما تبثه فتنة، يتولّى كبره مَن سمّى نفسه شيخًا، وهو قد احترف إثارة الخلاف المؤدي إلى فرقة، والمؤسس لكراهية يظنها تدوم، وهي بإذن الله زائلة، إذا تولى العقلاء نزع فتيل هذه النار التي أوقدت منذ سقوط بغداد، وظهور هذه القنوات، التي استشرى خطرها اليوم، ولها أسماء فعلها بأضدادها، فهذه قناة «أنوار» وهي أول ناشر للظلام، وتلك قناة (الكوثر) وهي تبث مر الخلاف المؤدي إلى الفتن، وهكذا استطاع حفنة من الطائفيين المتعصبين استحداث إعلام طائفي مقيت، يزيد الفرقة بين المسلمين، ويدمر ما بين طوائفهم من تعايش استمر قرونًا، ولا نجد أحدًا يواجه هذا السيل العرم من هذا الإعلام الرديء، الذي إن استمر فإنه سيؤدي إلى أسوأ العواقب، والتي بدأت بوادرها تظهر بوضوح في أماكن متعددة من عالمنا العربي والإسلامي، في باكستان وفي العراق، وفي البحرين، وإلى حد ما في لبنان، بل وفي فلسطينالمحتلة، تشحن فيها النفوس، وتتقطع العلائق، حتى داخل الأسرة الواحدة، إذا كان فيها أفراد من هذه الطائفة ونظيرتها تلك، ممّا كان سائدًا من قبل في بعض بلداننا العربية والإسلامية، كالعراق ولبنان مثلاً، فالعقلاء اليوم من الطائفتين مدعوون لمواجهة هذا الإعلام المفرق للأمة، ولأبناء الوطن الواحد، بإعلان موقف موحد من هذا الإعلام الرديء، وبث الوعي بين الناس لما يمثله من خطر، فالسكوت عن هذا الإعلام هو مساهمة فاعلة في تأييده، ولا شك، فالمشكلات لا تستفحل إلاّ عبر إهمالها وعدم التصدي لمعالجتها، وحينما يسكت العلماء والمثقفون من ذوي الرأي المستنير في المجتمع المسلم عن هذا الحوار الشتائمي القذر، الذي يتردد في هذه الفضائيات اليوم، ولا يستثني أحدًا سواء أكان من الرعيل الأول على عهد سيدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن بعده وحتى يومنا هذا، هذا الحوار الذي لا يعرف لأحد فضلاً، والذي يحتقر المخالف، حتى ولو أعلن جل المؤمنين أنه خير الناس، حينما يسكتون عن هذا فهم يسلمون مجتمعاتهم إلى اضطراب قادم لا محالة، إننا إن لم نضع أيدينا في أيدي بعض أيًّا كانت انتماءاتنا، ويشد بعضنا أزر بعض، لمواجهة هذا الإعلام، الذي يقف وراءه تياران حاقدان من متطرفي الطائفتين، ممّن يريدون اشعال نار فتنة لن يخمدها إلاّ المواجهة الحاسمة التي تزيل ما أمكن هذه الثقافة الطائفية من الرؤوس ليحل محلها ثقافة حوار تعظم فيه ما يجتمع عليه السنة والشيعة، ويستثني منه اختلاف التضاد الذي يجب أن يحصر البحث فيه في المراكز العلمية وبين المتخصصين، فإن كنا قد ابتلينا بلون من هذا الخلاف، فإن التعايش وحده يلغي التصادم، فهل نعي هذا؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق. ص.ب 35485 - جدة 21488 فاكس: 6407043 [email protected]