من حيث هو صادق في إيمانه بالله ومخلص له التوحيد، يقع كثير من المسلمين في معصية صرف بعض العبادات التوحيدية العقدية لشريك مع الله أو من دون الله، فعبادة الخوف من الله وهي من أقدس العبادات وأكثرها تأكيدًا على خلوص التوحيد من الشوائب وهي الرادع والحاجز في الخلوات عن ارتكاب الموبقات وهي أثمن الطاعات القلبية، ومع هذا تتجلى مظاهر صرف هذه العبادة لغير الله أو مع الله، فيما يسمى الخوف من العين والسحر (العاين والساحر) فالخوف الفطري والطبعي مثل الخوف من السباع الضارية والخوف من الفقر والموت والمرض، فهذه مخاوف يشترك فيها بني آدم ولا تلحق خدش التوحيد في صرف عبادة الخوف لغير الله، لكن الخوف من الساحر والعاين وهم بشر ممن خلق الله لا يملكون ضرًا ولا نفعًا حتى لأنفسهم، فكيف يستطيعون إلحاق الضرر او جلب النفع لغيرهم، وما جاء بالقرآن والاحاديث إلا ليؤكد خرافة العين والسحر وانهما ثقافة كانت في اقوام سابقة لرسالة الإسلام، حيث اهلكتهم خرافة العين والسحر، فجاء القرآن محذرًا نبيه واتباعه من الركون لها. إن صفاء التوحيد وهو لب الإيمان بالله عز وجل، يستلزم عدم العودة لما كانت عليه الاقوام قبل الإسلام، من صرف عبادة الخوف للكواكب والرعود والشموس والسحرة والكهان والمشعوذين، فإن اصبح الساحر والعاين في توهمات وظنون وخيالات الناس يملكان قدرات خارقة للطبيعة البشرية، وهالات من التخويف والترهيب، فهذا يعني جعلهما في مصاف الالهة، فهل حقًا يملك العاين بمجرد توصيف دقيق أو بلاغة في الكلام أو انه يصدر من خلال عيونه اشعة غير مرئية وخارقة لكل الموانع فتصيب المعيون بالمرض او العجز او خلافه، وهل يحمل الساحر تفويضًا من الله ليجعل من عقدة حبل او كمية شعر فيرسلها عبر اشعة اكس اكس ترحل عبر الفضاء والاثير فتصيب المسحور بالآفات والضرر، هل هذه خلاصة التوحيد الذي جاء محمد صلى الله عليه وسلم لينقذنا الله به من خرافات واساطير الكفار والمشركين. إن تمرير الخرافة على انها دين، سيكون مآلها تعبّد الله بها، والدين الصحيح غير قابل للخرفنة والاسطرة، إلا أن يكون فهم الدين قابلًا لتحويره لذلك، وهذا الوحش عالق في حنايا القصص المفزعة من امراض العين والنفس والسحر، فكل وجع أو ألم ولو كان من صداع الرأس يجد له في خرافة هذه الامراض بائعون للوهم، وناشرون للخرافة حتى على مستوى بعض الجهات الرسمية، فالعين والنفس وسائل لعبادة آلهة صغرى اسمها (العاين والنافس والساحر) تُعبد بالخوف مع الله، رغم أن القرآن الكريم وتنزيل رب العالمين، ما انفك يدعو المسلمين للتعلق بالله الواحد الاحد، وعدم صرف عبادة الخوف وهي من اقدس العبادات، لغير الله، وما زال القرآن يحدثنا كيف كانت الاقوام من قبل نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، تهلكهم ثقافة السحر والعين، فالقرآن في سياقه الخبري، يرشدنا بعدم التعلق بخرافة السحر والعين، وكما قال الدكتور يوسف ابو الخيل في مقاله بجريدة الرياض (تلك السياقات - السحر والعين - التي ليس شرطًا أن القرآن الكريم يتبنى مقولاتها ومفاهيمها، بقدر ما يذكرها كمكونات، أو ثوابت ثقافية أو عقدية للأمم والجماعات التي تتحدث عنها سياقاته الإخبارية) اما الحديث المروي (إن العين حق) ولكن حق على من؟ إنها حق على من يصرف ولو جزءًا يسيرًَا من عبادة الخوف لغير الله، فيخاف بشرًا مثله عاجزًا لا حول ولا قوة لديه. فالرسول صلى الله عليه وسلم كأنما يحذرنا فيقول إن من يؤمن بخرافة السحر والعين ويخاف الساحر والعاين والنافس، كان حقًا على الله أن يصيبه بسبب مخاوفه، إن محاربة الخرافات والخزعبلات اقرب لروح الإسلام وللتوحيد الذي جاء ليطهّر النفس البشرية من ادران الشرك.