وصف الله تعالى نبيه محمدا “صلى الله عليه وسلم” بحرصه على المؤمنين ورأفته ورحمته بهم، قال تعالى: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنِتُّم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم»، وقد دلَّت السنة النبوية أنه صلى الله عليه وسلم كان يتفادى ما يشقّ على المسلمين، فمن ذلك قوله: «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» رواه البخاري وأحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وقوله: «لولا أن أشقّ على أمتي لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج في سبيل الله، ولكني لا أجد ما أحملهم عليه، ولا يجدون ما يتحملون عليه، ويشقّ عليهم أن يتخلفوا بعدي، فوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل» رواه مالك والبخاري وأحمد والنسائي. بل كان رسول الله أحيانا يترك ما تهواه نفسه من أعمال الخير خشية أن يفرض على أمته، قالت أم المؤمنين عائشة: «إن كان رسول الله ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم» رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود، ومن أبرز الأمثلة على ذلك تركه صلى الله عليه وسلم قيام رمضان؛ خشية أن يفرضه الله تعالى على أمته، فيشقّ عليها فتعجز عنه، رواه مالك والبخاري ومسلم وأحمد وأبو داود، ومنه قول رسول الله: «إن الله كتب عليكم الحج»، فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: «لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها» رواه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد: «ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» رواه مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه، ومنها قوله: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أمّه» رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف؛ فإنّ فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض» رواه مالك والبخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه. إن هذه الأدلة أمثلة عملية لما يجب أن يتحلّى به الدعاة من الرحمة بالمدعوين والتيسير عليهم وإلا نفر الناس عنهم بل ربما نفروا عن الشرع الحنيف بسبب تصرف متشدد من داعية غير حكيم، ومصداق ذلك قوله تعالى في وصف نبي الرحمة: «فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم».