هناك حقيقة نقرأها دوما ونكررها بصيغة أو بأخرى وهي: «إن أفكارنا وأحاسيسنا ومعتقداتنا وآمالنا ليست سوى تفاعلات كيماوية وكهربائية تفعل فعلها في الخلايا العصبية للدماغ... حين تتغير أفكارنا يتغير دماغنا، مما يؤثر في الكثير من العمليات الحيوية في أجسامنا؛ ومما يعني أيضًًا أن الدماغ هو خط الدفاع الأول الذي يحمي الجسم من الأمراض». وهذا المضمون لم يأت عبثا، بل هو نتاج الكثير من نتائج الدراسات والبحوث والاستنتاجات الطبية. فكلما تحلى الأشخاص المرضى بدرجة كبيرة من التفاؤل والأمل قوي لديهم جهاز المناعة، وخفت حدة الضغط النفسي، وزادت حظوظهم في الشفاء. ويؤكّد عالم النفس الأميركي أوكلي روي ذلك بقوله: «إن الإيمان والأمل والتخلي عن مشاعر القلق والضعف واليأس هي من العوامل التي تساعد المرضى على تحسن أوضاعهم الصحية، وربما أطالت في أعمارهم أيضًا». فحين نكون محبطين بائسين يتعطل نظام المناعة، وتبدأ الأمراض تنهش في الأجساد؛ لذا لا بد من مواجهة الحياة بتفاؤل، والنظر إلى النصف الملآن من الكوب. فالسعادة هي أفضل علاج،. وكما قال الدكتور روي: (إذا كنتم سعداء فإنكم ستشفون من كثير من الأمراض بإذن الله) لأن الضغوط النفسية والهموم الحياتية ومشاعر الإحباط تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على الصحة. فالدراسات العلمية والطبية الحديثة تشير إلى وجود علاقة سببية بين الضغط النفسي وألامراض، فمن 60 إلى 90 في المئة من الأمراض على صلة مباشرة أو غير مباشرة بالضغط النفسي الذي يسبب أو يسهم في حدوث الكثير من الأمراض، فحينما يكون الإنسان في حال ضغط نفسي فإن مناطق عدّة في دماغه تعمل، وتفرز هرمونات ومواد كيماوية تؤثر في جهاز المناعة، وتضعف مقاومته. وقد حمل ذلك المضمون قول لأحد الباحثين البريطانيين: «إذا كنتم على حال مستمرة من الضغط النفسي، وتعرضتم إلى عملية جراحية، فإن جروحكم، خلافًا للأصحاء، بحاجة إلى وقت طويل لكي تندمل». وقد عشنا تجارب عديدة وقاسمنا الكثيرين متاعبهم وأوجاعهم.. وخرجت بقناعة بأن الأشخاص المتفائلين والجريئين يملكون جهاز مناعة أفضل من المتشائمين الذين يستسلمون غالبًا إلى الضغط النفسي. وبإطلالة شهر رمضان المبارك.. -جعلكم الله وإيانا من الفائزين فيه-.. نجد أنفسنا ندخل في أجواء مختلفة عن كل أيامنا، إذ أنه فرصة لاستعادة التوازن النفسي، والطمأنينة الداخلية، والتواصل المختلف مع رب هذا الكون. فلنجعله فرصة لأن تستقر هذه المشاعر والأحاسيس داخلنا طوال أيام السنة.. بأن نتعلّم ترسيخ الأمل.. والتفاؤل،. والتلذذ بالاستقرار النفسي في نفوسنا، ليكون هذا الشهر بروحانياته العالية وقودنا في الأشهر القادمة بإذن الله. فكلما اقترب العبد من ربه، وروّض نفسه، وتلذذ بعباداته، استقرت نفسه واطمأنت، وبعد عنها الجزع والخوف والقلق والتوتر. ولا يحدث هذا إلا لمن مارس العبادة كعبادة وليس كعادة، وتعامل مع الصيام على أنه رياضة روحية لا مجرّد امتناع عن طعام وشراب. بارك الله لكم في جميع أيامكم، وجعلكم وإيانا من المتنعّمين برضوان الله في هذا الشهر وكل شهر.