النظام العالمي الجديد تعبير قديم متجدد.. في كل مرحلة من التاريخ شهد العالم إمبراطوريات تصعد وأخرى تهوي.. وبريطانيا العظمى ليست بعيدة عن الأذهان خلال السنوات الأخيرة إذ كانت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وأصبحت الآن مجرد دولة صغيرة تستجدي العون من الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وتسعى جاهدة للاحتفاظ بقدر من قوتها الاقتصادية بعد أن فقدت أساطيلها العسكرية. ابن خلدون، وغيره من المفكرين، درس هذه الظاهرة وأفرد في مقدمته الشهيرة أكثر من باب تحدث فيه عن كيف تتمكّن أمة من الصعود، وفنّد أسباب انهيارها وحلول قوة أخرى مكانها.. ونحن نشهد اليوم تكرارًا لأحداث مضت، وإن كان بشكل آخر، وبقيت مقولة ابن خلدون في الفصل الحادي والعشرين من مقدمته بأنه “إذا كانت الأمة وحشية كان ملكها أوسع” سارية على أحداث اليوم باعتبار أن (الوحشية) التي تحدّث عنها ابن خلدون ليست في المجال العسكري فحسب، بل في المجال الاقتصادي أيضًا بعالم أصبح مفتوحًا على بعضه البعض وأكثر ارتباطًا عمّا كان عليه حين كتب ابن خلدون مقدمته. ومن المسلّم به الآن أن (النظام العالمي الجديد) لن يكون عالم القطب الواحد، بل وعلى الأرجح ليس عالم القطبين.. بل عالم تتعدد فيه القوى وتتشعب خلاله العلاقات، الأمر الذي عبّرت عنه وثيقة صادرة عن البيت الأبيض الأمريكي، في شهر مايو الماضي، تتحدّث عن “الإستراتيجية الأمنية القومية” دعا عبرها الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الذي وقّع عليها، إلى التعاون مع من وصفهم بمراكز النفوذ في القرن الواحد والعشرين كالصّين والهند وروسيا وإندونيسيا والبرازيل ودول الشرق الأوسط وتوقّعت الوثيقة صعود دول آسيا كالصّين والهند وإندونيسيا وفيتنام وكوريا الجنوبية. المملكة العربية السعودية لها مكانتها الخاصة في النظام العالمي الناشئ، فقد أصبحت عضوًا فعّالاً بين دول قمة العشرين، وتواصل صعودها الاقتصادي والسياسي في عالم جديد يبحث القادرون عن موقع لأنفسهم فيه. وأشارت قائمة عن “التنافس الصناعي العالمي” صدرت مؤخرًا عن مجموعة ديلويت، وهي هيئة مهنيّة تعمل فى مجال الخدمات، بالتعاون مع المجلس الأمريكي حول التنافسية، إلى أن المملكة تتقدم في مجال التنافس الصناعي العالمي، وستكون لها مكانة عالية خلال السنوات الخمس المقبلة إلى جانب كل من تايلند وروسيا وجنوب إفريقيا والأرجنتين. إلى جانب بقاء كل من الصّين والهند وكوريا الجنوبية على رأس القائمة كأكثر الدول تنافسية في المجال الصناعي. وطلب الكونجرس الأمريكي مؤخرًا تقريرًا عن خطط وزارة الدفاع الأمريكية للعشرين سنة المقبلة، وترأس المجموعة التي تولّت إعداد هذا التقرير وجرى تقديمه إلى الكونجرس في شهر فبراير الماضي كل من ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس جورج بوش (الابن) وويليم بيري، وزير دفاع سابق في عهد كلينتون، وحدد التقرير خمسة مخاطر اعتبرها كاتبوه أنها تشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي الأمريكي يتوقعون بروزها خلال السنين القادمة وكانت : التطرف الإسلامي والإرهاب – المنافسة من القوى العالمية الصاعدة في آسيا – الصراع المستمر للهيمنة بمنطقة الخليج والشرق الأوسط الكبير – التنافس العالمي المتزايد للحصول على مصادر الموارد الأولية – والمشاكل التي تخلقها الدول الفاشلة أو التي في طريقها للفشل 0 ومن الواضح أن التقرير تجنّب ذكر الصّين بشكل واضح ، إلا أنها تشكل الخطر الأكبر على النفوذ الأمريكي 0 والصّين أعلنت عن إستراتيجية دفاعية جديدة لها أسمتها ( دفاع البحار البعيدة) هدفها دعم قواتها البحريةالعسكرية لتمتد من موانئ النفط في الشرق الأوسط إلى ممرات السفن بالمحيط الباسفيكي ، حيث ستقوم البحرية العسكرية الصّينية بإرسال سفن حربية ترافق السفن التجارية الخاصة بها 00 ولوحظ أن الصّينيين حافظوا على بقاء ثلاث سفن حربية لهم في خليج عدن منذ شهر مارس الماضي ، كمساهمة منهم في محاربة القراصنة الصوماليين هناك ، كما زارت سفينتان حربيتان صينيّتان ميناء أبوظبي أواخر نفس شهر مارس في أول بادرة من هذا النوع تقوم بها البحرية العسكرية الصّينية 0 هذا 00 وتقدر السفن البحرية الصينية بحوالى (260) سفينة عسكرية ( السفن الأمريكية (286 ) وأكثر من ستين غواصة وتقوم ببناء أول حاملة طائرات 0 دول آسيا التي تشعر بالقلق نتيجة للسياسة التوسعية الصّينيةالجديدة ، أخذت تزيد من قدراتها العسكرية البحرية هي الأخرى 0 إذ وقّعت فيتنام عقداً مع روسيا يتضمن بيعها ست غواصات ، وتلقت ماليزيا غواصة ، العام الماضي ، من فرنسا وتتوقع تلقي غواصة أخرى قريباً ، بينما تسلمت سنغافورة غواصة من السويد 00 وبينما تتفوق القوات البحرية اليابانية على أي دولة أوروبية فإن البحرية الصّينية تفوقها عدداً وعدّة 0 وفي مقال نشرته مجلة صادرة هذا الشهر عن ( شاثام هاوس ) ، وهو مركز أبحاث بريطاني ، انتقد بول كيندي ، أستاذ في جامعة ييل الأمريكية، إدارة أوباما قائلاً : إنه لا يوجد فيها مفكر إستراتيجي يتمكّن من الخروج بحلول لما تشاهده أمريكا من إنحدار وصعود الصّين على حسابها واختتم مقاله بالقول : “ منذ تسعين سنة كتب ماكندر يقول:إن الديموقراطيات إذا لم تجد نفسها داخلة في حرب فإنه لا يمكنها أن تفكّر بشكل أستراتيجي” 0 ترى 00 ماهو شكل النظام العالمي الجديد الذي سنشاهده في السنين القليلة القادمة ؟ ص. ب 2048 جدة 21451 [email protected]