دفع الانتصار الذي حققه العرب في حرب العبور (أكتوبر) عام 1973 الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك إلى القول بأن «الإسرائيليين أصبحوا يتصرفون كالعرب والعرب أصبحوا يتصرفون كالإسرائيليين» في إشارة إلى الاستراتيجية العسكرية التي طبقها العرب في تلك الحرب في تلك الحرب (تخطيطًا وتكتيتكًا وتسليحًا) مع الاستخدام الأمثل لعنصر المفاجأة ولسلاح المهندسين. ولكن يبدو ان مقولة روبرت فيسك لم تعد صحيحة الآن، ففي تقرير أعده الباحث الاستراتيجي الأمريكي المعروف أنتوني كوردسمان ونشر في موقع مركز الدراسات الاستراتيجية CSIS في 29 يونيو الماضي(2010) تحت عنوان «ميزان التسلح العربي – الإسرائيلي في العام 2010) ، ذكر كوردسمان بأن هنالك تغيرات كبيرة في ميزان الأسلحة التقليدية بين العرب وإسرائيل حدثت في الآونة الأخيرة، حيث تراجعت قدرات سوريا في هذا المجال بشكل مطرد بسبب النقص في واردات السلاح، إلى جانب انخفاض مستوى التدريب والتحديث للقوات السورية (هناك تقارير غير مؤكدة عن مشتريات الاسلحة السورية الضخمة من روسيا). فيما استفادت إسرائيل من توقيعها اتفاقيتي سلام مع كل من مصر والأردن لتخفيف تواجدها العسكري على حدود البلدين، كما أدى اختفاء العراق كمصدر لجلب دعم للقوات العربية (كما حدث في سوريا خلال حرب 1973) إلى شعور إسرائيلي بالارتياح عسكريا، وزاد من هذا الشعور الضعف المتواصل للقوات اللبنانية النظامية، وعدم تشكيل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية أي تهديد لإسرائيل. والملفت ان هذا التقرير جاء بعد الكشف عن ان العرب انفقوا 100 مليار على التسلح ورغم ذلك بقيت اسرائيل متفوقة عسكريا. وأضاف كوردسمان أن اسرائيل استفادت ايضا من المعونة الامريكية المستمرة وعمليات نقل الأسلحة التي تبدو أكبر بكثير مما توضحه الأرقام حيث يتيح التعاون العسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة الاندماج في عملية عسكرة متواصلة ومتطورة لإسرائيل موضحا أن ما تردد حول تقاعس إدارة أوباما عن الالتزام بأمن إسرائيل تدحضه عمليات نقل الأسلحة والتعاون الأمني بين البلدين. واستنتج كوردسمان أنه لا يوجد تهديد عربي يذكر على إسرائيل في ظل هذه المعطيات. لكن كوردسمان يعود ليقول إن إيران وسوريا والاطراف الفاعلة غير الحكومية التي تنكر حق اسرائيل في الوجود تشكل تهديدا متزايدا لتل أبيب. فحزب الله لم يزد ترسانته من الصواريخ فقط، وإنما حصل على صواريخ أبعد مدى وأكثر فاعلية ودقة في إصابة الهدف، كما عمل على تحسين المستوى القيادي. ويطرح عند هذه النقطة سؤالا حول مدى تأثير إيران وسوريا على حزب الله؟ وكيف يمكن قياس هذا التأثير وهل التحالف بينهم يمكن ان يصل الى مستوى الشراكة التي تصل الى شكل التهديد المشترك لإسرائيل في أي حرب ضد أي من تلك الأطراف؟. وعند تطرقه إلى حماس يكرر كوردسمان نفس النبرة بالنسبة لزيادة عدد صواريخها وتفعيل مداها، ولكنه يعترف بعدم توفر بيانات موثوقة لقياس حجم ونوعية صواريخ حماس مثلما هو الأمر بالنسبة لصواريخ حزب الله. ويستطرد الباحث بأن إسرائيل تحتفظ رغم كل هذا بمزايا كبرى وهي امتلاكها لصواريخ طويلة المدى وقوة طيرانها الرادعة، والأسلحة النووية، وصواريخ الدفاع الجوي والأرضي.