توفي في الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخرا السفير جيمس إي أكينز( 83 عاما )، الخبير الأمريكي المعروف في شؤون الطاقة، والسفير الأمريكي الأسبق في المملكة، ففقدت أمريكا وطنيا شجاعا لا يساوم أحدا على حساب مصالح بلاده وأمنها، ولايجامل أيًا كان في سبيل ما يراه حقا وعدلا، وفقد العرب كذلك أمريكيا حرا، وقف الى جانبهم بشجاعة وقوة، وكتب مدافعا عن حقوقهم، لا يخاف أحدا ولايخشى رغم قوة اللوبي الصهيوني وسطوته. ومن هنا كان السفير أكينز لصراحته ومصداقيته، في صدام مستمر مع رئيسه هنري كيسنجر وزير الخارجية آنذاك، فقد كشف موافقة كيسنجر على رفع شاه إيران لأسعار النفط ليتمكن من شراء أسلحة أمريكية، وكان آخر صدام بين الرجلين حين كشف أكينز أن أحد المسؤولين الكبار في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية ( كيسنجر ) درس فكرة استيلاء الولاياتالمتحدة على حقول النفط في الشرق الأوسط، واكتشف اكينز أنه تعرض للفصل في أغسطس 1975م،. عندما اتصل به صديق ليقرأ عليه خبرا في صحيفة يتضمن قرار فصله، وخلال مقابلة مع جريدة « نيويورك تايمز» قال اكينز: أعتقد أنني أثرت غضب البعض» ، وفي عام 1979 خلال مقابلة مع مجلة « تايم»، أبدى أكينز نفاذ بصيرة بتحذيره من تصاعد موجة العداء تجاه الولاياتالمتحدة، وفصل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي وقتها أكينز، بعد سلسلة من الصدامات بينهما. * * * وبعيدا عن السياسة، فقد كان أكينز الخبير النفطي الأبرز، الذي برهن على نظرات مستقبلية صائبة، ففي مقال شهير له في دورية « فورين أفيرز» نشر في ابريل 1973م، رسم أكينز الصورة الاقتصادية لمستقبل الطاقة، وأصاب في توقعه بأن يتجاوز الاستهلاك العالمي من النفط خلال الأعوام ال12 التالية، جميع ما استهلكته البشرية في تاريخها السابق، وحذر من أن خسارة إنتاج أي دولتين نفطيتين من شأنه رفع الأسعار من 3 دولارات للبرميل الى أكثر من 5 دولارات، وفي الواقع وصلت الأسعار الى 39 دولارا بعد هذا التحذير. وكان السفير أكينز أول من حذر بلاده والمجتمع الدولي منتصف عام 1972، بأن العرب مقدمون على حظر نفطي سيهزّ الاقتصاد العالمي ويرفع الأسعار، وأنهم ( أي العرب ) أدركوا أن النفط المخزون في باطن الأرض لايقلّ نفعا عن ذلك الموجود في الحساب المصرفي ( الشرق الأوسط 26/7/2010). * * * لقد وقف السفير أكينز بشجاعة وثبات في وجه كل المزاعم الصهيونية بالانحياز للعرب، وكان يدافع عن نفسه دائما بأنه لا يقوم إلا بمهام عمله المتمثلة في تعزيز المصالح الأمريكية، سواء تلك التي قد تتوافق مع إسرائيل، أو التي قد لا تتوافق مع المصالح الإسرائيلية. وكما كتبت في هذه الجريدة الغراء، بعد فصل كيسنجر للسفير أكينز بأسلوب مهين في أغسطس 1975، محييا شجاعة ايكنز في الدفاع عن مصالح بلاده كمواطن أمريكي حرّ، ومشيدا بمصداقيته واستقلالية رأيه، أكتب اليوم كلمة وداعه، وأكرر ما كتبته عنه من قبل، بأن أمثال جيمس أكينز من الرجال الأحرار الذين لايبيعون ضمائرهم وكرامتهم، مهما كانت الضغوط والمخاطر، هم الذين سيخلّصون بلادهم يوما ما من أغلال السيطرة الصهيونية، ويقودون حرب الاستقلال الثانية في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية وشعبها الصديق .