لم يكن هدف انتقال الأندية الأدبية بنشاطها إلى المراكز والقرى والهجر منظورًا إلا من زاوية تفعيله للحراك الثقافي والأدبي والفكري، وربط المركز بالأطراف خدمة لكافة المناطق التي يقع النادي في محيطها.. وحسنًا فعل نادي الطائف ذلك وهو ينقل نشاطه إلى بعض القرى المحيطة به.. لكن ما لم يكن متوقّعًا أو محسوبًا أن تتحوّل إحدى فعالياته (أمسية شعرية) بمنطقة ثقيف إلى أمر آخر أثار حفيظة عدد من أدباء المنطقة، بالإشارة منهم إلى أن الأمسية خرجت من سياقها الثقافي والأدبي، ودخلت في قضايا أخرى كتكريم بعض الأشخاص بدوافع رأوا فيها تكريسًا للعصبية، وإيقاظًا لفتنة القبائلية وفق استشهاداتهم التي لم تخلُ من حدة.. لتبقى هذه الآراء حول الأمسية وما صحبها مطروحة في سياق هذا التحقيق منتظرة الرد عليها.. إيقاظ الفتنة بداية يقول الشاعر سعد الحامدي الثقفي: لقد فرحتُ كثيرًا حين عرفتُ أنّ النادي سيخرج أخيرًا من شرنقته، ويجوب مناطق الطائف النائية في القرى والأرياف مبشّرًا بالثقافة والأدب. وكنت طوال الطريق أهنئ نفسي بهذه الأمسية الأولى التي طال انتظارها، لأنني والله أعلّق آمالًا كبيرة على الثقافة لتقطع الخط على القبائلية الممقوتة، والتطرف الديني الذي وجد له أرضًا بكرًا في المناطق النائية عمومًا. ولكن إذا كان الخروج على شاكلة أمسية بلاد ثقيف، فلا أهلاً به ولا سهلاً! ويضيف الحامدي: إن النادي كما قلت في تعليقي ومداخلتي المنبرية على تلك الأمسية: «يجب أن يهتم بالشأن الثقافي فقط، وهو لم يفعل ذلك، قلت نريد أن نرى شعراء وكُتاب وروائيين، وما اللوحات التشكيلية التي صاحبت الأمسية إلا دليل على استعداد الجيل في المنطقة للإبداع، سيما والمنطقة من أجمل مناطق بلادنا طبيعة وجمالاً. لكنّ ما حدث في ترعة ثقيف ولّدَ عصبيات وأخرج كوامن العنصرية من مكامنها، وأعيد القول بأن الفتنة نائمة فلعن الله من أيقظها!. ويمضي الحامدي في حديثه مضيفًا: لقد جاء السالمي وصحبه لبلاد ثقيف ليقدموا فخذًا وحيدًا من القبيلة دون سواه؛ وأنا لا أحتقر هذا الفخذ ولا أقلل من شأنه، فهم أهل وأقارب وأصدقاء وبنو عمومة، ولكن هذا الفخذ ليس ذي شأن على أية حال في القبيلة إلا كبقية الأفخاذ، فلماذا يُسلّط الضوء في تحيز واضح عليه دون غيره، وفي منطقة لديها حساسية في هذه الجوانب شأنها شأن كثير من قرى ومناطق المملكة التي يستوطنها قبائل كان بينهم قبل مجيء الحكم السعودي الزاهر ما الله به عليم من الفرقة والتناحر والاقتتال، حيث أخذ على عاتقه مهمة تكريم شيوخ دون غيرهم، ومنهم من كرم لمجرد زعم قد لا يثبت بأن ذلك الشيخ هو أول من أدخل الكهرباء (التجارية- بيزنس) للمنطقة، ولو صح الكلام، فما علاقة الكهرباء بالثقافة في (ثقيف)، ولماذا لم يكرم أوائل من أدخلوا الكهرباء في رنية وبلاد بالحارث، والتي سبق وأن أقام النادي فيها أمسيات مماثلة، أم هو البحث عن شماعة لتكون مبررًا لتكريم وتكريس منسوبي هذا الفخذ دون سواه، ولم يكتف بأن الأمسية الشعرية المقامة بالمناسبة ضمت شاعرين أحدهما من هذا الفخذ بجانب رئيس أدبي الباحة حسن الزهراني. ويواصل الحامدي هجومه قائلاً: إن رئيس أدبي الطائف تولى بنفسه إدخال الثقافي في غير الثقافي. ولم يكلّف نفسه حتى مراجعة ذلك العرض الضوئي البائس الذي خُتم بعرض طائرات أف 16 وكأننا في أمسية عسكرية لا أمسية ثقافية. ولم يسأل نفسه: هل ما قاموا به هو الصواب بعينه، وهم يتجاهلون بقية فخوذ ومبدعي ثقيف؟». تركة النادي المالية ويضيف الحامدي: لو شاء لذكرت له أسماء كثيرة من بقية القبيلة لا تقل شرفًا وكرامة وأرومة عمن كرموا، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: محمد بن شعيب، ومحمد علي الثقفي قائد الحرس الملكي في زمن الملك عبدالعزيز، وعطية بن حامدي، والحميدي الثقفي، وغيرهم كثر. لكنني أكره العصبية القبيلة وأمجّها مجًّا، لكنْ يظهر لي أن السالمي غلّب علاقاته الشخصية وصداقاته على مصلحة النادي.. وليس أدلّ على ذلك من إتيانه بالأخ خالد الخضري من الرياض؛ ليقدّم أمسية في بلاد ثقيف، والخضري لا يعرف عن شعرائها شيئًا، وحتى أسماء الأماكن والأشخاص كان يلفظها خطأ، ولولا أنه صديق للسالمي، وبينهما تلك العلائق القديمة ما رأيناه في بلاد ثقيف. إنّ كل ما استمعت إليه، وما سأستمع من أعضاء نادي الطائف الأدبي لن يزيل غبار هذه الأمسية، وإذا كان الأستاذ حماد السالمي قد ورث من الإدارة السابقة تركة مالية لا يعرف كيف يتصرف فيها، فعليه أن يبعد أمر القبائل عن مثل هذه التصرفات، كان الأجدر به إذا ما أراد أن يخدم المنطقة أن ينشئ مركزًا ثقافيًّا دائمًا، وأن يرعى الموهوبين، وأن يتعهّد بأن يكون لبلاد ثقيف نصيب الأسد من فعاليات محافظة الطائف الصيفية، فحماد السالمي أين هو يوم كان عضو لجنة التنشيط السياحي في المحافظة من بلاد ثقيف ومن ميسان بني الحارث وبقية قرى وهجر الطائف، ماذا فعل لها وماذا قدّم يوم كانت حفلاتنا تبدأ بمحاضرة دينية، وتنتهي بحديث عن عذاب القبر، لقد وظّف تأريخ المنطقة لصالحه تمامًا، حيث طبع عشرات الكتب تم شراؤها من قبل لجنة التنشيط السياحي، وهي على غرار كتاب «هذه بلادنا» للدكتور يوسف الثقفي، لا ترقى إلى تمثيل محافظة الطائف، ولو كان لي من الأمر من شيء لطلبت من لجنة متخصصة غربلة هذه المطبوعات التي هي نسخة واحدة بأسماء متعددة، ولمنعت هذا الغثاء الذي حيك في لجنة التنشيط السياحي بمحافظة الطائف، وها هو يحاك مرة أخرى باسم نادي الطائف الأدبي. رسالة النادي ثقافية أما نائب رئيس نادي الطائف الأدبي الكاتب علي خضران القرني، فقد أحالنا في رده إلى عضو مجلس إدارة النادي الشاعر أحمد البوق كونه مسؤول اللجنة المختصة بهذه الفعالية، ومنسق النادي فيها، ولديه التفاصيل الكاملة عن هذه الفعالية، وما حدث فيها من لبس لدى بعض الأخوة من بلاد ثقيف. مضيفًا بقوله: إن النادي عندما قرر تقديم هذه الفعاليات في المحافظات والمدن القريبة من الطائف والتابعة لها كان يهدف من خلالها إلى نشر الثقافة والأدب بعيدًا عن أي أغراض أخرى، فرسالة النادي ثقافية أدبية، وإذا ما أراد النادي أن يكرم فليس له إلاّ أن يكرم، ويقدم من هم من نفس منظومته، ومن لهم علاقة فيه، ومن هو مهتم بالثقافة والأدب. وأؤكد أن انتقال النادي بين هذه المدن والبوادي كان لغرض واحد هو نشر الثقافة والأدب والانفتاح على ثقافات تلك المدن، والتعرف على ما لديهم من إبداع وأصوات ثقافية وأدبية جديدة. إخفاق البدايات ويشارك الدكتور شاكر الثقفي بقوله: الذي يظهر لي ممّا أثير حول الفعالية التي أقامها النادي له أبعاد كثيرة ربما علم بعضها، وربما لم يعلم البعض الآخر منها، وكان لي تساؤل أوجهه للنادي خاصة بعد أن اقترح اسمي كمقدم للأمسية، ولكنه استبعد فيما بعد بحجة أنني لست معروفًا إعلاميًّا أو ليس لي إسهامات أدبية، وهنا أسأل النادي: هل لا يصنّف المثقف في بلادنا كمثقف إلاّ إذا كان له تواصل مع النادي الأدبي أي نادٍ أدبي في أي منطقة من مناطق المملكة؟. وهل تقييم الأندية في المملكة واختيارها للمثقفين والأدباء يكون على أساس علاقتي وتواصلي مع النادي الأدبي، وما عدا ذلك لا يمكن أن أصنّف في حيز المثقفين أو الأدباء؟. وأضاف الثقفي: إن الاعتراضات التي كانت على موضوع التكريم لم تكن في محلها ومن خلال ما تقصيته أن الجميع أنصف وكرم، وربما كانت اعتراضات البعض على التكريم وإقحامه في فعالية ثقافية، وهو ما أتمنى على النادي أن يتلافاه إذا ما أقام فعاليات أخرى مستقبلية، سواء في ثقيف أو غيرها من مدن وقرى الطائف، وأن يركّز اهتمامه على إبراز الأصوات الثقافية والمواهب الأدبية فيها، ويقدم من خلال فعالياته أبناء هذه المحافظة بالشكل المطلوب. وختم الثقفي حديثه بقوله: أتمنى أن يكون دور منسقي النادي في ثقيف أكثر فاعلية، وأن يستمر في تجربته برغم ما في هذه التجربة الأولى من إخفاقات، ولكن حسبنا أن البدايات دائما هكذا، ويعتريها بعض الخلل والتقصير. البعد عن القبلية أحد المشتركين في تنظيم المناسبة ساعد الثقفي قال: قضية التكريم التي قام بها النادي للبعض فرضت من قبل أحد المنسقين، والذي كان له تواصل مباشر مع النادي في كل ما يتعلق بتنظيم هذه الفعالية، وكان له دور في إقناع النادي بفكرة التكريم هذه التي أثارت الكثير من الآراء والانتقادات حولها، وخاصة أن هناك أسماء في بعض القرى كانت أحق بالتكريم ولم تحظى به. ومهما يكن فإن خطوة النادي إيجابية في كل الأحوال، ولكن ما نتمنى أن يتحقق في المرات المقبلة هو أن يقتصر النادي على إقامة الأنشطة الثقافية والأدبية، وإذا ما أصر على فكرة التكريم، فإما أن تكون في حيز من قدم خدمة للأدب والثقافة، أو يكرم الجميع دون استثناء بعيدًا عن العنصرية والقبلية. تجاوز الرسالة أما الإعلامي عبدالرحمن الثقفي فيرى أن النادي الأدبي بالطائف قد تجاوز رسالته في هذه الأمسية، مبينًا ذلك في ثنايا قوله: نعم، تجاوز النادي رسالته في تلك الأمسية؛ وإلا ماذا يعني قيامه بإقامة معرض فني، وافتتاحه، والتجول في أرجائه أليس هذا الأمر يخص جمعية الفنون التشكيلية؟. وحتى قيامه بتكريم بعض الأشخاص بما فيهم بعض الشيوخ تحت بند من خدم المنطقة ليس ثقافيًّا، ولكن في عدة مجالات أليس هذا الأمر يخص جهات أخرى، وفي مقدمتها أمارة منطقة مكة المكرمة؟، حيث يبين أن هذا التكريم قد أثار حفيظة الكثيرين، منهم من رحل عن هذه الدنيا، ومنهم من لازال يواصل تقديم خدماته للمنطقة، وبكل أسف وقع النادي الأدبي في المحظور في هذه الأمسية. ويرجع الثقفي ما حدث بسبب وجود علاقات بين فئة من أبناء المنطقة مع بعض المسؤولين في النادي، وكان لهذا دور في كل ما حدث، وإجمالاً الأمر هذا نضعه على طاولة صنّاع القرار في المنطقة والجهات المختصة لضمان عدم تكرار مثل هذا، مع رد الاعتبار لمن سلبت حقوقهم المعنوية في تلك الأمسية التي أثارت النعرات القبلية التي ودعناها بدخول الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله. العناية بالمبدعين ومن موقع متابعته لما دار في تلك الأمسية المثيرة يقول خيرالله الثقفي: كم كنت سعيدًا بإقامة أمسية ثقافية برعاية النادي الأدبي في بلاد ثقيف، التي هي موطن الجمال، والإبداع، وملهمة الشعراء. ولكن من خلال التغطيات التي رأيتها فيما بعد عبر الانترنت، ومن خلال معرفة أثر الحفل في وجوه من لقيت، فوجئت بأن الحفل تخلله أمور لا علاقة لها بالثقافة، فلم يقتصر الحفل على أمسية شعرية، ولكن تعدى ذلك إلى تكريم الشيوخ، وما إلى ذلك، وأنا أعتقد أن النادي لو ركّز نشاطه على الثقافة والشعر والفنون في المنطقة لكان هذا أفضل. سيما إذا أدخل النادي اسمه في أمور لا تخدم الثقافة ولا المنطقة عمومًا، وأتمنى ألا تتكرر في مناطق أخرى من محافظة الطائف. وحول ما شاهده من خلال متابعته فيما بعد لما قدم في تلك الفعالية فيقول: لقد اطلعت على لوحات من الفن التشكيلي، وكانت غاية في الروعة، وسألت نفسي أين النادي وجمعية الثقافة والفنون عن مثل هذا الإبداع والاحتفاء به، بدلاً من أمور أخرى لا علاقة لها بالنادي. فالمنطقة كما يبين قد خرّجت فنانين ممتازين مثل النحات محمد الثقفي، والفنان محمد رده، وخالد عايد وغيرهم، وفي يقيني أن المنطقة لديها المزيد من هؤلاء الذين يحتاجون إلى من يأخذ بأيدهم إلى سماء الشهرة والذيوع والانتشار، وعلى كل حال نشكر للنادي هذه الخطوة، ونتمنى أن يكررها، ولكن يجب عليه أن يبتعد كل البعد عمّا لا يمت للثقافة بصلة. تكريم عام أما موقف نادي الطائف الأدبي مما دار فيكشف عنه الشاعر أحمد البوق عضو مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي، والمشرف على فعاليات المحافظات والمراكز التابعة لمدينة الطائف بقوله: إن فكرة تكريم الشخصيات عند إقامة فعاليات المحافظات ليس من شأنها أن تحصي جميع الشرائح الاجتماعية فيها، وإنما اقتصرت على تكريم البعض الذي يفترض أن يكون معبّرًا عن الكل، وتكريم الفرد من المحافظة يعد تكريمًا للجميع وما هو إلاّ مجرد نموذج للجميع، كما أن التكريم أيضًا لم يقتصر على من أسهم في الجانب الثقافي أو الأدبي إنما امتد إلى من له إسهامات في الجوانب التنموية الأخرى، وهذا لا يتعارض كذلك مع رسالة النادي الأدبية والثقافية. ويضيف البوق: إن فكرة إقامة فعاليات ثقافية وأدبية في المراكز والمحافظات التابعة لمدينة الطائف انطلقت من عدم وجود أندية أدبية فيها، فشكّل النادي لجنة للبدء في إقامة هذه الفعاليات وذلك في فترة المجلس السابقة للنادي أي قبل أربع سنوات تقريبًا، ولكن لم يتم تنفيذ الفعاليات فيها إلاّ منذ فترة قريبة، كما اقتصرنا على تنفيذ فعالية واحدة في كل محافظة ومركز في كل شهر، وأشير هنا إلى أن النادي وبالتنسيق مع فريق عمل من كل محافظة يتولى أحدهم التنسيق مع النادي في كل ما يتعلق بالفعالية المقامة فيها، قرر أن تكون الفعالية المقدمة في هذه المحافظات والمراكز شاملة لعدد من البرامج والأنشطة وألا نهتم بالجانب الأدبي، ولكن يمتد نشاطنا إلى عدد من الجوانب الثقافية الأخرى، كنوع من الشمولية في البرامج، فكانت الفعاليات المقدمة وبالتعاون مع هؤلاء المنسقين في المحافظات والمراكز تتوزع بين إقامة معارض فن تشكيلي وتصوير فوتوغرافي لأبناء المحافظة، إضافة إلى البرنامج الرئيس: وهو عبارة عن أمسية أدبية أو ندوة تكريمية لأحد أهالي هذه المحافظة، كما فعلنا في محافظة ميسان ببني حارث عندما كرّمنا الدكتور ناصر الحارثي -عليه رحمة الله- إضافة إلى ذلك اقترحنا أن يكرم أيضًا عدد من أبناء تلك المحافظات والمراكز.