من أشد الأخطاء في التحليل التي يحذر منها علماء الاجتماع والمهتمون بالمنهجية العلمية، هو السطحية في التعامل مع الظواهر، أو تفسير الظاهرة بعامل وحيد. فالظواهر والأحداث والوقائع الاجتماعية هي نتيجة لعدد من العوامل قد تتداخل وتتشابك وهي أيضاً تتفاوت في نسبة كل منها في التأثير وتوجيه الواقعة أو النتيجة. أحببت أن أبدأ بهذه المقدمة، نظراً لما ألحظه أحيانا من بعض الكتاب من تبسيط يكاد يكون مخلا لتحليل بعض الظواهر.. ومن ذلك ما شهدته الكتابات عن قضية (إرهاب المرأة) بعد قبض قوى الأمن على إحدى المتورطات في دعم الإرهاب مؤخرا.. حيث امتاز كثير منه بالتعميم والأدلجة. فقد بدأت تتدفق كتابات (مكارثية) توجه الاتهامات في كل الاتجاهات باعتبارها هي مفرخة الإرهاب كالتعليم، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم والأنشطة الصيفية.. بل وصل الأمر أن يقال بأن: «الإرهاب يعشش في كل مفاصل المجتمع»! إن حالة الهوس ورمي الاتهامات -إن صح أن يقولها العامة أو الدهماء- فإنه ينبغي أن ينأى عنها المثقفون والنخب خاصة التي تتصدى للمنابر الثقافية والإعلامية وتوجيه الرأي العام.. فالحاجة ماسة الى أن نبتعد عن الغوغائية والتشنج الذي يدخلنا في حلقة مفرغة من تأجيج العواطف والتراشق بين مؤسسات المجتمع لتضيع معه الحقيقة ويخسر الجميع. إن معالجة «قضية إرهاب المرأة» ومعرفة أسبابها وحجمها تقتضي طرح تساؤلات جادة تجيب عليها جهات مختصة ومؤسسات علمية تمتلك المعلومة وأدوات منهجية موضوعية توصلنا الى حكم متوازن بعيدا عن العواطف والتخمينات. ومن تلك الأسئلة: هل هي حالة شاذة، أم متكررة؟، وان كانت كذلك، فهل ترقى لأن تصنف كظاهرة وفقًا لمعايير التصنيف العلمي؟، وبالتالي فإن لكل مستوى من المستويات السابقة، أدوات وأساليب في المعالجة والتعامل.. بالطبع الحاجة دوما لاستراتيجية منضبطة تتناسق فيها أدوار المؤسسة الأمنية والتعليمية والمسجد ومنظمات المجتمع المدني ويتم التأكيد على الدور الأسري الذي تشكل المرأة عموده الفقري..ولا بد أن نشيد على الخطوات التي أقدمت عليها وزارة الداخلية بتشكيل لجنة لمناصحة المرأة مكونة من نخبة من الأكاديميات والمتخصصات في الجوانب الشرعية والنفسية والاجتماعية وتقوم بدور مبارك في الحوار العقلاني الرشيد والتوعية من مخاطر آفة التشدد والتطرف، وهو دور وقائي وتحصيني أساس في الوقاية من استدراج الفتيات والنساء عامة إلى مستنقع الإرهاب. أخيرا.. نحمدالله أن بعض التصرفات الرعناء للبعض لا تحجب بحال من الأحوال ما قدمته المرأة في بلادنا من نماذج مشرفة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.. وكلنا تابع بإعجاب الدور الذي قامت به العالمة الشابة حياة سندي في رحلتها الرائعة لأن تكون واحدة من النجمات في سماء الابداع والعطاء العلمي، دون أن تفرط بهويتها، أو أن يقف حجابها دون مواصلة تعليمها وعطائها.. وكذلك أخواتها مثل المبدعات في ميادين العلم والمعرفة: ريم الطويرقي وخولة الكريع.. وغيرهن الكثيرات.