كلما بدأ أي قطاع من القطاعات يتكبد الخسائر تكون الوصفة الجاهزة لدى البنك الدولي بضرورة بيعه إلى القطاع الخاص، علمًا أن البنك الدولي اكتشف لاحقًا أن نحو 35 % من وصفاته التي قدمها إلى العديد من الدول كانت غير صائبة من منطلق أن القطاع الخاسر قبل بيعه يجب تحسينه ورفع مستوى إيراداته؛ لكي يكون دور التخصيص فيما بعد ليس قطف ثمار التحسين الذي حصل، ولا الاستفادة من الربح الواقعي المحقق؛ بل لأن التخصيص يعني قدرة القطاع الخاص على الاستثمار الدائم في القطاع الذي اشتراه لجهة مواصلة التطوير والتحديث وامتلاك القدرة على المنافسة. وإذا ما أخذنا الخطوط الجوية السعودية كمثال باعتبار أن أولياء الأمر قد سبق واتخذوا قرارًا بتخصيص هذه الشركة، إلا أن ما يلفت الانتباه أن المكلفين بتنفيذ القرار قد وضعوا خطة تقضي بأن يتم التخصيص على مراحل؛ بحيث يتم توزيع الشركة إلى وحدات وفق آلية تستمر لمدة 3 سنوات تبدأ بخصخصة التموين في المرحلة الأولى؛ ليتم بعدها تخصيص الشحن الجوي ثم قسم الصيانة ثم وحدات المناولة الأرضية أو الخدمات الأرضية، وبعدها الأقسام التدريبية؛ ومن ثم تخصيص الشركة الأم. ولقد تم تنفيذ المرحلة الأولى والثانية، ولكن بدلًا من أن تتحسن الخدمات في هاتين الوحدتين فقد تراجعت، وخير دليل على ذلك وحدة التموين التي لا يصعب على أي مسافر على متن رحلات الخطوط الجوية السعودية ملاحظتها. يضاف إلى ذلك مسألة مهمة وهي أن المكلفين بتنفيذ مراحل التخصيص لم يضعوا خطة استراتيجية واضحة ومدعمة بالأرقام تثبت أن هناك توجهًا لوقف الهدر، وللحد من الخسائر التي تتكبدها الخطوط يوميًا. ولذلك ما إن يحن موعد التخصيص للشركة الأم حتى تكون أسعارها في أدنى مستوى لها فتخسر بذلك الدولة كل الأموال التي دفعتها، وخاصة تلك التي رصدتها مؤخرًا لشراء طائرات جديدة كما تخسر أيضًا ملكية الشركة. ومن هنا كان الأولى انتشال الشركة من خسائرها، ووضعها على سكة البدء بتحقيق الأرباح، ومن ثم إحالتها إلى التخصيص لتحقق للدولة أعلى المكاسب الممكنة؛ ولتتنافس على شرائها أهم المؤسسات الدولية وبأعلى الأسعار، وهذا الأمر لم يحدث، أو بالأحرى لن يحدث..! ومن المستغرب عدم إعطاء أهمية لخطة اقتصادية وسطية ما بين التخصيص وعدم التخصيص ألا وهي خطة اعتماد نظام BOT أي (البناء –التشغيل –نقل الملكية) المتمثلة بمنح المستثمر حق الاستثمار في القطاع المعني وتشغيله باستثماره لفترة زمنية محددة؛ لتنتقل ملكيته بعد انتهاء المدة المتفق عليها إلى ملكية الدولة والمشروع يتمتع بكامل طاقته الإنتاجية متمشيًا مع ما وصلت إليه التقنية المتطورة، وتصبح من مكتسبات الوطن دون أن تتحمل خزينة الدولة أية نفقات تذكر. وإذا كانت الذريعة أن إعادة رسم خطة جديدة لتصويب الأوضاع في الخطوط السعودية قد أصبح متأخرًا فهذا غير صحيح؛ لأن مصلحة البلاد لا تتوقف عند حسابات زمنية خاطئة، خاصة وأن أولياء الأمر قد منحوا إدارة الشركة كل ثقتهم، وما على هذه الإدارة إلا أن تكون على مستوى هذه الثقة. [email protected]