تصاعدت ردود الأفعال حول فتوى الشيخ عادل الكلباني إمام الحرم المكي سابقًا، والتي قال فيها بجواز الغناء حتى وإن كان بالمعازف، وأنه لا يوجد دليل شرعي صحيح يجزم بحرمته. ويرى البعض أن هذه الفتوى لا أساس لها من الصحة، وأنها خالفت أقوال الأئمة والعلماء الثقات الذين أفتوا بحرمة الغناء والمعازف، مستندين إلى نصوص كثيرة، ومدللين على كلامهم بما نشاهده الآن على الفضائيات من مجون وتعري وفسق وفجور يصاحب الغناء واستخدام المعازف، ومشددين على أن هذه الفتوى تفتح أبوابًا من التشويش على المسلمين، وأنها أتت في وقت لا حاجة لها فيه، مبدين استغرابهم من صدور هذه الفتوى بغير مناسبة. بالمقابل يبدي آخرون استغرابهم من الضجة التي أحدثتها هذه الفتوى، ويرون أن مثل هذا الجدل الشرعي هو ظاهرة إيجابية في مجملها، وأن من شأنها أن تؤدي إلى نشر العلم، إذا ما اتبع الجميع الأسلوب النبوي في الحوار وتحلوا بآداب الاختلاف وابتعدوا عن إقحام الأمور الشخصية في النقاش، ونأوا بأنفسهم عن التنابذ والتراشق بالإساءات. ويشير بعضهم إلى أنه من الأفضل أن يفتي بعض العلماء الثقات بتحليل الموسيقى، لاسيما إذا كانت مصحوبة بكلمات هادفة عفيفة؛ لأنها ستكون ملاذًا يلجأ إليه الشباب بدلًا عن الانسياق وراء الموسيقى الصاخبة والكلمات الهابطة. الرسالة حملت فتوى الكلباني ووضعتها أمام مجموعة من العلماء والأكاديميين واستوضحتهم عنها فتفاوتت آراؤهم على الوجه التالي: كثرة الحديث بداية اعتذر الدكتور علي الحكمي عضو هيئة كبار العلماء عن الحديث في هذا الموضوع قائلًا: “أصبح الكلام في هذا الموضوع كثير جدا، و "الرسالة” في الأسبوع الماضي كان بها كلام كثير بخصوص هذا الموضوع حول تجريم الفتوى بما فيها إباحة الغناء وإرضاع الكبير”. ويشدِّد الدكتور عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء على أن قصيدة الشيخ سعود الشريم تكفي في الرد على هذه الفتوى، ويقول: “الشيخ الشريم رد على الفتوى التي تبيح الغناء بقصيدته، كما رد عليها الشيخ صالح اللحيدان ومجموعة من المشايخ، والذي أحل الغناء ليس من طلبة العلم، فالقصيدة التي ألفها الشريم هي ردٌ عليه”. الرجوع للمشايخ وبدوره يقول الشيخ عبدالعزيز بن حمين الحمين الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: “إن هذا الموضوع بشكل عام هو من اختصاص الإفتاء ويقدم نصيحة لملحق "الرسالة” أن يكون مصدرهم الجهة التي اعتمدها ولي الأمر وأن مشايخنا هم الذين يفصلون في هذه الموضوعات ولن يقصروا مع الجميع. وعندما أفدناه بعدم تمكننا من الوصول إليهم قال: حاولوا مع سماحة مفتي المملكة، وبإذن الله لن يقصر المشايخ في هذا الجانب”. من ألزمه؟ من جهة أخرى قال الدكتور صالح بن غانم السدلان أستاذ الفقه في قسم الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء سابقًا: “المراجع الإسلامية كلها سواء من الحنفية أو المالكية أو الشافعية أو الحنبلية أو غيرهم ينصون على تحريم الغناء، فلا ينبغي لمن يأت من آخر الناس، وينقلب رأسًا على عقب، وعرف عنه من أهل تلاوة القرآن وإمامة المسلمين ويأتي ويقول بأن الغناء حلال، لكني شخصيًا لم أسمع كلامه ولم أقرأ نصه، ولكن إن كان ما قاله صحيحًا فإنه مخطئ، فالشيخ عادل لم يعرف عنه سابقًا مخالفته لأهل العلم وعدم الدخول في هذه المسائل، وأقول: إن حب القرآن والغناء لا يجتمعان في قلب مسلم”.وعند إخبار الشيخ السدلان بأن الكلباني فسر هذا الموضوع برأي ابن مسعود وليس برأي ابن عباس وأنه لا يوجد هناك أي دليل صريح يحرم هذا الموضوع قال: “الغناء لا يمتهنه إلا الفساق وأصحاب المجون، فهل الأولى الأخذ برأي ابن مسعود الذي حث المسلمين أن يبتعدوا عن هذا الأمر، أو الأولى أن نأخذ بقول ابن عباس، وهذا إن صح، فهل الشيخ الكلباني لديه قدرة على تصحيح وإثبات الإسناد عن ابن عباس وابن مسعود في ذلك؟ فليس له أن يتكلم ويحكم ويخالف عامة المسلمين”. وعند إخباره بأن الكلباني أخبر بأن هذه المسألة ليست من الأصول بل من فروع الفروع، قال: “ولتكن من فروع الفروع فهل الشيخ عادل ملزم أن يفتي؟ وملزم أن يقول وأن يتكلم؟ فهو لم يلزمه أحد، فهو قد عرف بالتلاوة وحسنها والإمامة، فعليه أن يحافظ على هذه النعمة إن كان له فهم، وإلا فالناس سيرفضونه ويكرهونه ويبتعدوا عنه”. رفض مطلق أما المستشار بالديوان الملكي الدكتور عبدالمحسن العبيكان فقال: “إنه لن يتكلم في فتوى إباحة الغناء التي صدرت مؤخرًا عن الشيخ عادل لا من قريب ولا من بعيد”. حرب على السلفية من جهته أوضح الدكتور نبيل حماد المستشار بقناتي مكة والهدى أن ما نراه الآن من تهويل للموضوع من قبل بعض العلماء يؤكد أننا نمر بمرحلة تشنجات، ويقول: “بعد أحداث سبتمبر أصبح هناك هجوم شرس على المنهج السلفي الذي أصبح ينحسر تدريجيًا بسبب الضغوط الدولية. يؤسفني أن معظم وسائل الإعلام ضد هذا التيار، فهذه الهجمة هي التي أصابت أصحاب التيار السلفي بنوع من الحساسية، وبالنسبة للفتاوى على الجميع أن يسير وفق منهج الوسطية”. وأضاف حماد: التيار السلفي "يتشنج” بسبب "تشنج” التيارات المضادة الأخرى، فإذا أخطأ الشيخ بكلمة فعلى الجميع أن يكون لديهم التأني والطمأنينة، وكذلك يكون لديهم نوع من البساطة في تلقي الأمور، ومثل هذه الحملة التي نراها قامت ضد الشيخ العبيكان في فتوى إرضاع الكبير علمًا أنه ذكر أحاديث صحيحة، وأتمنى من المجامع الفقهية أن تدرسها. لذلك ينبغي احترام الخلافات التي نراها بين العلماء، فما روي عن الإمام الشافعي في مناظراته أنه قال: "والله ما أناظر أحدًا إلا وأسأل الله أن يظهر الحق على لسانه وليس لساني” فطلبي من المشايخ أن يكونوا باحثين عن العقل. وما داموا جميعًا من علماء السنة والجماعة عليهم أن يحترم بعضهم البعض، فعندما اختلف ابن عباس وابن مسعود في آية "الحجاب” كان بينهم الاحترام والمودة المتبادلة، وأعيد وأكرر إن هناك هجمة شرسة على التيار السلفي؛ ولهذا يرى العلماء أن كل رأي مخالف مشارك في التخطيط الذي يشنه عليهم التيار الصوفي والليبرالي بدعم من أمريكا. مجون الغناء من جانب آخر يبين الدكتور عوض القرني الداعية الإسلامي المعروف أنه يكن للشيخ الكلباني كل الاحترام والتقدير ولكنه لا يوافقه في كل ما ذهب إليه، ويقول: عليه أن يعيد النظر في قوله الذي قد ذكره، وأن يدرك الآثار المترتبة على استماع الأغاني في زمننا هذا، وأن الغناء لم يعد غناءً مجردًا، بل أصبح مدثرًا بالفجور والتحلل والتفسخ، والذي قد يكون مع الصورة المؤثرة والموسيقى الصاخبة مما يفسد القلوب ويذهب الحياء ويثير الغرائز ويسقط همم الشباب؛ فلهذا لا يستطيع المرء أن يقول بحل الغناء والذي قال: إنه لا يسمع الغناء تورعًا كنت أتمنى منه أن يتورع في حق الأمة، وعلى المسلم أن يصرف أوقاته وفراغه فيما يعود بالنفع عليه وعلى أمته وأسرته وأن يتجنب المحرمات والشبهات. جهل وسفه من جانبه شن الدكتور عبدالعزيز الفوزان الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء هجومًا عنيفًا على رأي الكلباني بتحليل الغناء والمعازف وتهجمه على العلماء ووصفه لهم بأنهم مغرمون بالتحريم والتشدد، وقال: “هذا جهل وسفه وتطاول على العلماء، وأنه عين الجهل، هذه الأقوال إن صدرت حتى من أناس يحملون شهادات شرعية ويحفظون القرآن لا يمكن قبولها، من أباح الغناء نعتب عليه كثيرًا، وإن كان من أحبابنا ونطالبه بالمراجعة والالتزام بأقوال كبار العلماء وأهل العلم”. وأضاف الفوزان: “لا يمكن قبول من يقول بأن علماءنا مغرمون بالتحريم، فلماذا لا نقول إنهم أكثر علمًا وورعًا؟ التقول على العلماء بهذه الأوصاف جهل وسفه، ومن يقولون بهذا يجب الحجر عليهم؛ لأنهم اعتدوا على كبار العلماء وسفهوا آراءهم؛ كما أن هناك من استخدموا هذه الأقوال كمادة دسمة للطعن في علماء الأمة والحط من قدرهم”. ومضى الفوزان بالقول: “الغناء في اللغة يعني التغني في الشعر وهو أمر محمود، ولكن المصيبة ما نراه ونشهده الآن من منكرات عظيمة في الغناء من معازف ومزامير قرنت في الحديث بكبائر الذنوب. الناس الآن بحاجة لمن يزرع الورع في نفوسهم, أما ما نشاهده من مصاحبة الأغاني بالمعازف والموسيقى والميوعة والنساء الكاسيات العاريات والتراقص مع هذا المغني وتقبيله، والكلمات التي في مجملها تحريض على الزنا والفجور، فكيف نقول بعد ذلك إن الأغاني والمعازف كلها حلال جملة وتفصيلا؟ هذا قول لا يقوله من لديه علم وعنده عقل، حتى ابن حزم لا يمكن أن يقول بذلك. أما أن نبيح الغناء والصور التي بها الآن فهو انتهاك للحرمات، ومن يقول بحلها متطفلون على العلم والفتوى، ومتصدرون لها وليسوا أهلها وهم جهلة وأدعياء”. آراء متذبذبة وعلى ذات النسق يسير الدكتور صالح بن عبدالعزيز سندي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الذي يطالب الكلباني بمراجعة الأدلة التي استند عليها في إباحته للغناء والمعازف، وأن يرجع إلى آراء كبار العلماء في المسألة، وأن ينظر إلى الأدلة والأسانيد التي تحرم الغناء والمعازف بعين الإنصاف. ويقول: “الشيخ الكلباني وقع في استدلالاته في خطأ علمي جسيم عندما نفي الثابت وأثبت المنفي، فلم ينفِ وجود التنصيص على مذهب مخالفيه في تبويبات الكتب الستة وغيرها من كتب الإسلام، والواقع خلاف ذلك، وتجنّى على أهل العلم فنسب إلى طائفة منهم ضد ما كتبوه بأيديهم، وهو كذب صريح عليهم، ولم يسلك الكلباني في استدلالاته مسالك أصولية، ولجأ إلى اختراع أدلة واستدلالات ضعيفة يأنف من الوقوع فيها صغار طلبة العلم”. وأضاف سندي: “هذه السقطات وغيرها وقع فيها الكلباني -عفا الله عنه- وإني أؤمل أن ينظر إليها بعين الإنصاف، ما قاله في مقاله (تشييد البناء في إثبات حل الغناء) هي خاتمة آرائه المتذبذبة في هذه المسألة التي أشغل بها الناس في وسائل الإعلام منذ حقبة من الزمن، حتى كأنها قضية مصيرية للأمة، ورأي فضيلته هو الحد الفاصل فيها، والذي يتلهف الناس إلى معرفته! وأضاف سندي قائلًا: “الكلباني فيما كتب قد عرض عقله، وأبان عن مبلغ علمه، وإذا وُزن ما كتبه -وفقه الله- بميزان الإنصاف، ووضع على محك النقد العلمي كانت النتيجة أنه قد خاض في غير ما يحسن، وأساء لنفسه ولغيره، وأوقع العامة في لبس من دينهم،؛ فقد تضمن كلامه خلطا لا يليق أن يقع فيه، من إخلال بالقواعد العلمية، وتعسف في الاستدلال، وأسوأ ذلك التجني على أهل العلم وإلصاق الكذب الصريح بهم، وتقويلهم ما لم يقولوه”. وختم سندي قائلًا: “لولا اللبس الحاصل على الناس بسبب التلبيسات الجديدة لكان الإعراض عما يُنشر وطرحه هو المتحتم، لكن ما الحيلة وقد كثر الخلط في أبواب العلم؛ ولم يكد يمر يوم حتى يُفجع المسلمون في وسائل الإعلام بزوبعة جديدة في قضية شرعية، يقع كثير من الناس بسببها في إشكال وشك”.